قصة قصيدة وتينة غضة الأفنان باسقة

اقرأ في هذا المقال


تعتبر قصيدة “وتينة غضة الأفنان باسقة” للشاعر اللبناني إيليا أبو ماضي إحدى روائعه التي حظيت بشعبية واسعة. هذه القصيدة القصيرة، التي تبدو بسيطة في ظاهرها، تحمل في طياتها دلالات عميقة ومعانٍ فلسفية تصل إلى أعماق النفس البشرية. سنتناول في هذا المقال قصة هذه القصيدة وتحليلًا دقيقًا لأبياتها، وكشفًا عن الرسائل التي أراد الشاعر إيصالها للقارئ.

قصة قصيدة وتينة غضة الأفنان باسقة

أمّا عن مناسبة قصيدة “وتينة غضة الأفنان باسقة” فيروى بأنّه كان هنالك شجرة تين تعيش في واحد من البساتين الخضراء الجميلة، وكان بجانبها العديد من أشجار التين، ولكن أصحاب البستان يحبون ثمارها أكثر من جاراتها، وكانوا كلما أثمرت أتوا يقطفون ثمارها، ولكن هذه التينة كانت تغضب كلما أخذ أحدهم شيئًا من ثمارها، وكانت تغضب أيضًا إن جلس أحدهم تحتها ليستظل بظلها، وبقيت على هذه الحال سنين عديدة، حتى أتى يوم لم تعد تطيق أن يأخذ أحدهم منها شيئًا، وعندها قالت لجاراتها: إني أخرج القمار، فيأكل منها كل من يمر من عندي، وأنا لا أستفيد منها بشيء، وقررت أن لا تخرج ثمارًا ولا أوراقًا بعد ذلك أبدًا، حتى لا يأكل منها أحد، ولا يجلس تحتها أحد.

ومرّت الأيام، وأتى فصل الشتاء، ومن بعده أتى الربيع، وتلونت جميع الأشجار بألوان خضراء جميلة، وأثمرت بثمار رائعة، إلا هذه التينة التي لم تثمر، ولم تورق، وبقيت يابسة، كأنها ميتة، وعندما رآها صاحب البستان على هذه الحال، لم يتحمل ذلك، وقرر أن يقطعها، فأحضر فأسًا ، وقطعها، وجمع حطبها، وأوقد بها النار في الشتاء، وأنشد في خبر ذلك الشاعر إيليا أبو ماضي  قائلًا:

وَتينَةٍ غَضَّةِ الأَفنانِ باسِقَةٍ
قالَت لِأَترابِها وَالصَيفُ يَحتَضِرُ

بِئسَ القَضاءُ الَّذي في الأَرضِ أَوجَدَني
عِندي الجَمال وَغَيري عِندَهُ النَظَرُ

لَأَحبِسَنَّ عَلى نَفسي عَوارِفَها
فَلا يَبينُ لَها في غَيرِها أَثَرُ

كَم ذا أُكَلِّفُ نَفسي فَوقَ طاقَتِها
وَلَيسَ لي بَل لِغَيري الفَيء وَالثَمَرُ

لِذي الجَناح وَذي الأَظفارِ بي وَطَرٌ
وَلَيسَ في العَيشِ لي فيما أَرى وَطَرُ

إِنّي مُفَصِلَةٌ ظِلّي عَلى جَسَدي
فَلا يَكونُ بِهِ طول وَلا قِصَرُ

وَلَستُ مُثمِرَةً إِلّا عَلى ثِقَةٍ
إِن لَيسَ يَطرُقُني طَير وَلا بَشَرُ

عادَ الرَبيعُ إِلى الدُنيا بِمَوكِبِهِ
فَاِزَّينَت وَاِكتَسَت بِالسُندُس وَالشَجَرُ

وَظَلَّتِ التينَةُ الحَمقاءُ عارِيَةً
كَأَنَّها وَتَدٌ في الأَرضِ أَو حَجَرُ

وَلَم يُطِق صاحِبُ البُستانِ رُؤيَتَها
فَاِجتَثَّها فَهَوَت في النارِ تَستَعِرُ

مَن لَيسَ يَسخو بِما تَسخو الحَياةُ بِهِ
فَإِنَّهُ أَحمَقٌ بِالحِرصِ يَنتَحِرُ

نبذة عن الشاعر إيليا أبو ماضي

إيليا بن ضاهر أبي ماضي، ولد في عام ألف وثمانمائة وتسعة وثمانون في ثرية المحيدثة في لبنان، ومن ثم انتقل إلى مصر، وعاش في الإسكندرية، وهو واحد من كبار شعراء المهجر، كان مولعًا بالشعر والأدب.


شارك المقالة: