قصة قصيدة وقضين ما قضين ثم تركنني
أمّا عن مناسبة قصيدة “وقضين ما قضين ثم تركنني” فيروى بأنه في يوم من الأيام خرج كثير من المدينة المنورة وتوجه صوب مصر، وكانت عزة ما تزال في المدينة، وبينما هو في مصر زاد اشتياقه لها، فقام إلى حصان له، ووضع عليه سرجه، وخرج متوجهًا إلى المدينة المنورة، لكي يراها ويذهب الشوق الذي في قلبه لها، وبينما هو في طريقه إليها، وفي مكان يقال له فيفاء خريم، إذ هو بقافلة آتية من جهة المدينة، وكان في أول هذه القافلة محامل فيها نساء، وكان هو متلثم بعمامة له، ومن بين النساء في القافلة كانت عزة.
وعندما مر بجانب القافلة، ووصل إلى جانب عزة، نظرت إليه وعرفته، ولكنه لم يتمكن من التعرف عليها، وقالت لسائق الرحل: إن وصل إلى جانبنا توقف، فتوقف حينما وصل إلى جانب كثير، فأوقفته وقالت له: من أنت؟، فقال لها: أنا واحد من الناس، فقالت له: أقسمت عليك أن تخبرني باسمك، فقال لها: أنا كثير، فقالت له: وإلى أين أنت متوجه؟، فقال لها: بينما كنت في مصر تذكرت عزة، وأردت رؤيتها، فخرجت على هذه الحال التي ترينها لكي أراها، فقالت له: وإن لقيت عزة وطلبت منك أن تبكي، فهل ستفعل ذلك؟، فقال لها: نعم، فأزاحت اللثام عن وجهها، وقالت له: أنا هي، فإن لم تكن كاذبًا فافعل ما قلت بأنك ستفعله، فأخذ يبكي.
وبينما هو على هذه الحال، قالت عزة لقائد الركب بأن يتحرك، فتحركت القافلة، وكثير في مكانه لا يستطيع التكلم، ولا التحرك، وهو يبكي، حتى اختفت عزة عن نظره، وعندما فقدها زاد بكاؤه، وأخذ ينشد قائلًا:
وقَضَّيْنَ ما قَضَّيْنَ ثُم تَرَكْنَني
بفَيْفَا خُرَيمٍ قائماً أَتَلَدََّدُ
تأَطَّرْنَ حَتَّى قُلْتُ لَسْنَ بَوارِحاً
وذُبْنَ كما ذابَ السَّديفُ المُسَرْهَدُ
أَقُولُ لماءِ العَيْنِ أَمْعنْ لَعَلَّهُ
لِمَا لا يُرى من غائب الوَجْد يشْهَدُ
فلم أَرَ مثْلَ العَيْنِ ضنَّتْ بمائها
علىَّ ولا مِثْلِى على الدَّمْعِ يَحْسِدُ
وبَيْنَ التَّراقِى واللَّهاة حَرَارَةٌ
مَكان الشَّجَى ما إِنْ تَبُوحُ فتَبْرُدُ
وعادت عزة إلى مصر، وخرج كثير يريد أن يراها هنالك، وعندما وصل إليها وجد الناس ينصرفون عن جنازتها.
نبذة عن كثير عزة
هو كثير بن عبد الرحمن بن الأسود بن عامر بن عويمر الخزاعي، وهو أحد شعراء العصر الأموي، وهمن أهل المدينة المنورة، سمي بكثير عزة، بسبب حبه لعزة.