قصة قصيدة وقفت على قبر ابن سلمى فلم يكن
أمّا عن مناسبة قصيدة “وقفت على قبر ابن سلمى فلم يكن” فيروى بأن أرطأة بن سهية كان عنه ابن يقال له عمرو، وفي يوم من الأيام توفي ابنه عمرو، فحزن عليه أرطأة حزنًا شديدًا، وكاد عقله يذهب منه من شدة حزنه، وأقام عند قبره، وبقي مقيم عنده عامًا كاملًا لا يفارقه أبدًا، وأقام خيمة له بجانبه، وفي يوم أراد أهل الحي أن يرحلوا من مكانهم، ويغادروا لمكان جديد، وفي يوم الرحيل أتى القوم إليه عند القبر، وقالوا له بأن يوم الرحيل حان، وبأن عليه أن يرحل معهم، فأخذ أرطأة يتكلم مع ابنه في قبره ويقول له: هيا بنا يا بني قم وغادر معنا، فنحن منتقلون من الحي، وعندما سمعه القوم يتكلم مع ابنه، قالوا له: أقسمنا عليك في نفسك وعقلك ودينك، كيف يغادر معنا من مات منذ عام؟، فقال لهم: انتظروا الليلة ولا تغادروا، وفي الغد بإذن الله نغادر.
وفي صباح اليوم التالي، أتى إلى قبر ابنه، وأخذ ينادي عليه ويقول: هيا بنا يا بني، قم وغادر معنا، فعاد القوم يناشدونه ويذكرونه بأن ابنه ميت منذ عام، فتوجه أرطأة إلى راحلته وأخذ سيفه، واستله من غمده، وقام بعقر ناقته على قبر ابنه، ومن ثم قال للقوم: والله إني لن أغادر معكم، فإن أردتم ارحلوا لوحدكم، وإن أردتم أقيموا، فرق القوم على حاله، وأقاموا عامًا آخرًا في حيهم، وصبروا على حالهم، فأنشد أرطأة يرثي ابنه، وفي قومه، قائلًا:
وقفت على قبر ابن سلمى فلم يكن
وقوفي عليه غير مبكى ومجزع
هل أنت ابن سلمى ان نظرتك رائحا
مع الركب أو غاد غداة غد معي
أأنسى ابن سلمى وهو لم يأت دونه
من الدهر الا بعض صيف ومربعِ
وقفت على جثمان عمرو فلم أجد
سوى جدث عاف ببيداء بلقعِ
ضربت عمودي بانة سَمَوَا معا
فخرت ولم أتبع قلوصي بدعدعِ
فلو أنها حادت عن الرمس نلتها
ببادرة من سيف أشهب موقعِ
فما كنت الا والهاً بعد فقدها
على شجوها أثر الحنين المرجعِ
تركتك أن تحيي تكوسي وأن تنؤ
على الجهد تخذلها توال فتقرعِ
فلو كان لُبّي حاضرا ما أصابني
سهو على قبر بأكناف أجرعِ
نبذة عن أرطأة بن سهية
هو أرطاة بن زفر بن عبد الله بن مالك الغطفاني المري، يكنى بأبي الوليد، وهو من شعراء وفرسان العصر الجاهلي، أدرك الإسلام، وعاش ما يقارب نصف عمره فيه.