قصة قصيدة وما ترك الهاجون لي إن هجوته
أمّا عن مناسبة قصيدة “وما ترك الهاجون لي إن هجوته” فيروى بأنه كان في قبيلة عبد قيس شاعر مشهور يقال له الصلتان العبدي، وفي يوم من الأيام أتاه الشاعران الجرير والفرزدق لكي يحكم بينهما، فحكم بينهما بقصيدة قال فيها:
ألا إنما تحظى كُليبٌ بشعرها
وبالمجد تحظى دَرِامٌ والأقارعُ
ومنهم رؤوس يُهتدى بِصدُوُرها
وللأذنابُ قِدماً للرؤوس توابعُ
أرى الخطفى بذّ الفرزدقَ شعرُهُ
ولكنّ علتهُ الباذخات الفَوارعُ
جريرٌ أشدُّ الشاعِرين شكيمةً
ولكن علتهُ الباذخاتُ الفوارعُ
ويرفع من شعر الفرزدق أنه
له باذخٌ لذي الخسيسة رافعُ
وقد يُحمد السيفُ الدَّدَانُ بجفنه
وتلقاه رثاً غِمدهُ وهو قاطعُ
يناشدني النصر الفرزدق بعدما
ألحّت عليه من جرير صواقعُ
فقلت له إني ونصرك كالذي
يثِّبتُ أنفاً كشمَته الجوادِعُ
ولكن حكمه لم يعجب الجرير والفرزدق، فأنشد فيه الفرزدق قائلًا:
أقول ولم أملك سوابق عترتي
متى كان حكم في بيوت الهجارس
فلو كنت من رهط المعلى وطارق
قضيت قضاء واضحاً غير لابس
وأنشد الجرير أيضًا فيه قائلًا:
أقول ولم أملك امال ابن حنظل
متى كان حكم الله في كرّب النخل
ومن بعد ذلك أراد أبو فراس أن يهجو قبيلة عبد القيس كافة، فوصل خبر ذلك إلى زياد بن سليمان، فبعث إليه بكتاب قال له فيه: لا تتعجل حتى أبعث إليك بهدية، فانتظر الفرزدق الهدية، فبعث إليه زياد، قائلًا:
وَما ترك الهاجونَ لي إِن هَجَوتُه
مَصَحّاً أَراهُ في أَديمِ الفَرَزدَقِ
وَلا تَرَكوا لَحماً يُرى فَوقَ عَظمِهِ
لآكِله أبقَوه لِلمُتَعرِّقِ
سَأَكسِر ما أَبقوا لَهُ مِن عِظامِهِ
وَأَنكُت مُخَّ السّاقِ مِنهُ فَأَنتَقي
وَإِنّا وَما تُهدي لَنا إِن هَجَوتَنا
لَكالبَحرِ مَهما يُلقَ في البَحرِ يَغرَقِ
فلما وصل شعره إلى الفرزدق قال: والله إنه لا يوجد لي سبيل إلى هجائهم ما دام هذا العبد حيًا.
نبذة عن زياد الأعجم
هو زياد بن سليمان، مولى عبد القيس، أحد بني عامر بن الحارث، وهو أحد شعراء العصر الأموي، وواحد من فحول الشعر العربي في خراسان، لقب بالأعجم بسبب عجمة كانت على لسانه.
ولد في أصفهان ونشأ فيها، ومن ثم انتقل إلى خراسان وعاش فيها حتى توفي، ودفن هنالك.