قصة قصيدة ومحارب من فرط جود بنانه:
أمّا عن مناسبة قصيدة “ومحارب من فرط جود بنانه” فيروى بأنّ معن بن زائدة كان سيدًا من سادات العرب في أواخر العصر الأموي، وكان هو القائم على البصرة، وقد بلغ من الكرم مبلغًا لا يمكن لأحد أن يتخيله، فلم يكن يبخل على أحد في شيء حتى لو كان من أعدائه، وذاع صيته في كافة أرجاء الدولة، حتى أصبح القاصي والداني يعرفه، ويسمع عن كرمه وجوده، حتى لو لم يلتقوا به من قبل، فكان أحدهم إن قابله ورأى منه كرمًا عرفه بأنه معن بن زائدة.
وفي يوم من الأيام خرج هو وغلمان له، يريد أن يصطاد، وبينما هو في صيده، عطش؛ فطلب الماء من غلمانه، ولكنّه لم يجد معهم أي منه، وعندما اشتد عليه عطشه، سار يريد أن يحصل على بعض منه، وبينما هو في مسيره، رأى ثلاث فتيات، وكان في يد كل واحدة منهنّ قربة ماء، وعندما اقتربن منه، أوقفهنّ، وطلب منهنّ أن يشربنه شيئًا من الماء، فسقينه، وعندما ارتوى وذهب عطشه، طلب من غلمانه أن يعطوه مالًا، ولم يجده مع أي منهم، فأخرج كنانته من على ظهر راحلته، وأعطى كل واحدة منهنّ عشر سهام، ونصل كل سهم منهنّ مصنوع من الذهب الخالص، فقالت واحدة منهنّ لأخواتها: ويحكنَّ، والله إن هذا الكرم له كرم معن بن زائدة، ثم قالت لهنّ: فلتقل كل واحدة منكن شعرًا تمدحه به، فأنشدت الأولى قائلة:
يركب في السهام نصول تبر
ويرمي للعدا كرماً وجوداً
فللمرضى علاجٌ من جراحٍ
وأكفانٌ لمن سكن اللحودا
ثم أنشدت الثانية قائلة:
ومحارب من فرط جود بنانه
عمت مكارمه الأقارب والعدا
صيغت نصول سهامه من عسجدٍ
كي لا يقصر في العوارف والندى
ثم أنشدت هي قائلة:
ومن جوده يرمي العداة بأسهمٍ
من الذهب الإبريز صيغت نصولها
لينفقها المجروح عند انقطاعه
ويشتري الأكفان منها قتيلها
حالة الشاعرة:
كانت حالة الشاعرة الدهشة والاستغراب من كرم معن بن زائدة، مادحة إياه بأن كرمه قد وصل إلى القريب والعدو سوية.