قصة قصيدة يا رب جبس قد غدا في شانه:
أمّا عن مناسبة قصيدة “يا رب جبس قد غدا في شانه” فيروى بأن أبو فرعون الساسي كان في البصرة، وعندما وصل خبر ذلك إلى الأصمعي، أخذ يبحث عنه، ويريد لقائه، ولكنه لم يستطع ذلك، وكان ذلك بسبب انشغاله مع أهل البصرة بالشرب وغيره، وفي يوم من الأيام ذهب هو والأخفش الكبير إلى قوم من الأعراب، وبينما هم في طريقهم لقوا شيخًا قصيرًا ولكن هامته عظيمة، لحيته كثة، وكان ينشد قائلًا:
لقد غدوتُ خلقَ الثيابِ
معلقَ الزبيل والجراب
طبَّا يدقُّ حلق الأبواب
أسمعُ ذات الخدر والحجاب
فوقفوا معه، وكان عند بيت فطرق على بابه، فردت عليه سيدة كبيرة، وقالت له: بارك الله فيك أيها السائل، والله ما لك عندنا نائل، فارجع، فأنشد قائلًا:
ربَّ عجوز خبَّة زبون
سريعة الرد على المسكين
تظن أن بوركا يكفيني
إذا غدوت باسطاً يميني
فقال الأصمعي للأخفش: ألا ترى مدى فصاحة وسرعة إجابة هذا الشيخ؟،فقال له الأخفش: والله لو كان أبو فرعون حيًا فهو هذا، فاقتربا منه، وقالا له: يا شيخ، هل تريد أن تحصل على بعضًا من النقود والطعام، فقال لهما: نعم بالطبع، وأين ذلك؟، فقال له الأصمعي: في بيتي، فوافق الشيخ، ومسوا ثلاثتهم حتى وصلوا بيت الأصمعي، وعندما دخلوا وجلسوا، قال له الأصمعي: أريد أن أسألك عن أشياء، فقال له الشيخ: إني أرى بأن سؤالك نقدًا، وأنك قد نسيت الطعام، فأمر الأصمعي الجارية أن تحضر الطعام، وبعد حين أتت الجارية ومعها خبز، فأخذ يأكله حتى أنهاه، وعندما رأت الجارية مدى جوعه، ذهبت وأتت بجميع ما عندهم من خبز، ووضعته بين يديه، وقالت له: كل، وعندما رأى كثر الخبز نزل على قدميه، وأنشد قائلًا:
إني على ما كان من هزالي
وخفَّةِ اللحم على أوصالي
أثلِم حرفَ القرص من حيالي
ثلمَ المحاقِ جانب الهلال
فرفعت الجارية الطعام، ثم قالت له: إنما أمر الله تعالى بالتسمية على الطعام، فالتفت أبو فرعون إلى الأصمعي، وقال هل يوجد بالمنزل رب سواك؟، إني لا أشكر أمة على إطعامي، وأين النقود التي وعدتني بها؟،فأنشد أبو فرعون قائلًا:
يا ربَّ جبسٍ، قد غدا في شانه
لا يسقطُ الخردلُ من بنانهِ
ولا يريمُ الدَهْرَ من مكانه
أشجع من ليثٍ على دُكانِهِ
لا يطمعُ السائلُ في رُغفانهِ
لم يُعطني الفلس على هوانهِ
يا ربّ فالَعَنْه بترجمانه
وانصرف.
نبذة عن أبو فرعون الساسي:
هو أبو فرعون الساسي، شاعر من العصر العباسي، من أبناء القرن الثاني للهجرة، اشتهر بفصاحة لسانه.