قصة قصيدة يا من عدا ثم اعتدى ثم اقترف:
بالنسبة لمناسبة قصيدة “يا من عدا ثم اعتدى ثم اقترف”، فيروى بأن رجلًا من أشراف البصرة في يوم رأى جارية في السوق معروضة للبيع، وكان اسم هذه الجارية حُسن، وكانت حُسن تجيد الغناء والضر على العود، وعندما رآها أعجب بما كان عندها من جمال خلاب، فقام بشرائها، وأخذها معه إلى سفينته، وركبوا السفينة، وانطلقت متجهة إلى البصرة.
وفي الطريق إلى البصرة، وينما هم في وسط البحر، وكان الظلام قد حل، والرياح ساكنة، قام هذا الرجل وبدأ يوزع الخمر على من كان معه على ظهر هذه السفينة، وقال للجارية: أسمعينا بعضًا مما عندك يا حُسن، فأمسكت بعودها وبدأت تضرب عليه وتغني، بينما أهل السفينة يشربون الخمر ويثملون على صوتها.
وبينما أهل السفينة يشربون الخمر ويستمعون للجارية وهي تغني، كان هنالك على طرف السفينة شاب صالح يقرأ القرآن، ويمتنع عن مجالستهم، فانتبه إليه الرجل الذي اشترى حُسن، وتوجه إليه وقال له: أيها الغلام، هل في كل حياتك سمعت أجمل من صوت هذه الجارية، وأفضل مما تقول؟، فقال له الغلام: نعم يا سيدي، فقال له الرجل بعد أن أسكت الجارية عن الغناء: أسمعني ما عندك، فقال الغلام: {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَىٰ وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا * أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ}.
وعندما سمع الرجل الآيات التي قرأها عليه الغلام، وقعت في قلبه، وأخذ يرتجف من وقعها عليه، وأمسك بما كان معه من خمر، ورماه في البحر، وقال للغلام: والله إن ما أسمعتني لهو أفضل مما كنت أسمع، هل عندك غيره تسمعني إياه؟، فقال الغلام:{وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ۚ وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ۚ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا}.
وعندما سمع الرجل هذه الآيات، قام إلى ما بقي من خمر في السفينة ورماه في البحر، ثم قال لجاريته: اذهبي فأنت حرة، ثم جلس في زاوية من زوايا السفينة، وأخذ يستغفر ربه، ومن بعد ذلك ذهب إلى الغلام، وقال له: هل لمن هو مثلي من رجوع وتوبة؟، وعندما رآه الغلام، وهو منكسر، ونادم على ما كان فيه، رقَّ له، وقال:{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}.
فابتدأ جسم الرجل بالرجفان، وهو يقول: أشهد أنك يا رب غفور رحيم، ثم شهق شهقة ومات من فوره، وبقيت السفينة في البحر أيامًا عديدة قبل أن تصل إلى البصرة، وعندما وصلوا وفتحوا جثمانه، دهشوا منه، فقد كان جسمه كأنه لم يمض على موته سوى دقائق، فلم ينتفخ جسمه، ولم يخرج منه أي رائحة، وفي ذلك يقول الشاعر:
حالة الشاعر:
كانت حالة الشاعر عندما ألقى هذا البيت الانكسار لله تعالى والتوبة له عن المعاصي التي قام بها في حياته.