إن الحالة النفسية لها دور كبير في مقاومة المرض والتعافي منه، وإلى جانب ذلك ما أجمل أن تكون تلك الحالة النفسية الجيدة بسبب صديق مخلص ووفي، تابع القراءة لتتعرف على المزيد.
قصة سعادة خفية
في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة حول اثنين من الرجال يقيمون في إحدى الولايات من الولايات المتحدة الأمريكية، حيث أنه في يوم من الأيام كان هذان الرجلان منذ فترة طويلة يقيمان في واحد من المستشفيات الشهيرة في أمريكا، وكلاهما في ذات الغرفة، وقد كانت تلك الغرفة من أكبر الغرف في المستشفى بأكمله، وهما من الأشخاص المتقدمين في العمر، وهناك كان كل واحد منهما ينام على سريره بمفرده، فقد أنهكهم المرض إلى حد كبير.
وفي ذلك الوقت كان المريض الأول منهما في حالة خطيرة للغاية، وبالنسبة إلى وضعه الصحي قرر الأطباء أن يجبروه على عدم الحركة بشكل مطلق، إذ منع من محاولة القيام أو الجلوس حتى، وأوضحوا إليه أنه من الأفضل بالنسبة لوضعه أن يبقى مستلقي على سريره بكل هدوء وراحة واسترخاء.
أما بالنسبة للمريض الثاني فقد كانت حالته صعبة بعض الشيء، إلا أنها ليست بذات الخطورة التي يتخلله الوضع الصحي للمريض الأول، وبالنسبة إلى تقارير الفحوصات التي أجريت إلى وضعه الصحي، فقد سمحوا له الأطباء أن يجلس لمدة ساعة واحدة فقط في اليوم، وأن تلك الساعة يكون موعدها قبل غروب الشمس وليس قبل أو بعد ذلك.
وفي تلك الساعة كان المريض الثاني قد أخبر صديقه المقعد أنه سوف يختار في تلك الساعة أن يقوم ويخرج بها إلى الحديقة الخارجية للمستشفى؛ وذلك من أجل أن يستمتع بتلك الطبيعة الخلابة ويخفف من ألمه بالتنفس في الهواء الطلق؛ لأن ذلك المريض على الرغم من أن حالته الصحية أفضل من المريض الأول، إلا أنه برر اختياره ذلك بأنه يشعر بحالة من الضيق الشديد أثناء تواجده في تلك الغرفة في المستشفى.
كانت الفترة التي دخل بها هذان المريضان المستشفى متقاربه من بعضها، وقد استمرا كذلك لفترة معاً دون دخول أي مريض جديد معهم في تلك الغرفة، ويوماً بعد يوم ومن خلال الأحاديث المطولة التي كانت تدور بينهما أصبحا صديقان مقربان من بعضهما البعض إلى درجة كبيرة، فلا ونيس لهما إلا بعضهما، وفي كل يوم كانت علاقتهم تقوى وتتوطد أكثر من ذي قبل، وعند حلول المساء كانا يتسامران ويتحدثان حول تلك الذكريات القديمة التي عاشها كل واحد منهم في الماضي.
وقد كان أكثر ما يشعرهم بالاضطراب والتوتر هو أن الأول لم يتم السماح له بالحركة، والثاني يسمح له بساعة واحدة فقط، وفي لحظة من اللحظات طلب المريض الأول الذي لا يمكنه الحركة من المريض الثاني أنه في كل يوم حينما يعود من الخارج أن يقوم بوصف له كل يوم ما يشاهده في الحديقة الخارجية للمستشفى.
وفي تلك الأثناء وافق الرجل الثاني على طلبه وكان في كل يوم يذهب ويجلس في الحديقة بعد أن يعود يقوم بسرد على صديقه المريض كل تلك المناظر التي استمتع بها في الخارج، وفي كل وصف كان يصفه كان يفرط في الحديث عن جمال الطبيعة، فيقول: في الخارج المستشفى توجد حديقة خلابة وبديعة وتوجد بها أشجار مثمرة وشاهقة ويشيع الخضار في كافة أرجائها، وفي تلك الحديقة مزروع فيها مزيج من الزهور العطرية الرائعة بتلك الألوان البهية الزاهية، كما أن الأشجار المثمرة بها تتنوع بين كافة أنواع الثمر الزكية والشهية والمحببة إلى النفس.
وهنا استطرد المريض الأول حديثه قائلاً: يا لها يا صديقي من مناظر خلابة يا صديقي العزيز، وإضافة إلى كل تلك المناظر البديعة يوجد هناك بحيرة مميزة وجذابة ورائعة للغاية، تمتاز بمساحتها الواسعة والكبيرة، وكافة أطراف تلك البحيرة مزينة بأجمل أنواع وأشكال الزينة، كما أنها مصممة على أحدث طراز، وفي تلك البحيرة يوجد هناك أنواع متعددة من أجود أنواع البط بمختلف وألوانه وأشكاله الجميلة، والتي لم أرى مثلها في حياتي بأكملها ولا يمكن أن تجد منها في أي مكان آخر، وبسبب تلك المناظر الطبيعية الجميلة التي تتميز بها الحديقة والبحيرة ترى الأطفال يقدمون إلى تلك الحديقة من كل حدب وصوب، إذ يلعبون ويمرحون، كما أنه يوجد في تلك الحديقة رجل يقوم ببيع أشكال ومناظر بديعة الصنع يشتريها منه الأطفال والكبار.
وقد بقي وضع المريضين على هذا الحال لفترة طويلة، يحكي المريض روائع ما يراه في الخارج لصديقه المقعد، بينما صديقه المقعد فقد كان يستأنس ويستمتع بتلك الأحاديث جداً، وفي كل مرة كان يسمع تلك الأحاديث من صديقه تتحول حياته من ضيق إلى سعادة مفعمة؛ وذلك لأنه كان يتخيل تلك المناظر بأفكاره، وفي كل مره كان المريض يسرد تلك الأحاديث على صديقه المريض كان في نهاية حديثه يشجعه على أن يشفى سريعاً من أجل أن يقوم برؤية تلك المناظر البديعة برفقته، وبالفعل يوماً بعد يوم بدأت حال المريض المقعد تتحسن أوضاعه الصحية، إذ يتحمل ويقاوم الألم والمرض، وبدأ يسيطر عليه الدافع الإيجابي من أمنيته في رؤية تلك المناظر بأم عينه برفقة صديقه المخلص الذي يعينه على الحياة.
ولكن ما حدث في يوم من الأيام وبشكل مفاجئ هو أن ذلك المريض الذي كان يتم السماح له بساعة في اليوم توفي، وقد كان الصديق المريض المقعد قد تلقى ذلك الخبر بكل أسى وحسرة على فقدانه لصديقه الوحيد في هذه الحياة، ولكن في ذات الوقت ظل يؤنس نفسه بحديث صديقه المتوفي، ويشجع نفسه باستذكاره لأقواله له في كل يوم، وفي لحظة من اللحظات قرر الرجل المقعد أن يقوم بالتحامل على نفسه؛ وذلك من أجل أن يرى ما حرم من رؤيته، وأوضح أنه قد حان الوقت من أجل رؤية هذه المناظر الخلابة، وفي لحظة من اللحظات قام وحاول المشي شيئاً فشيئاً نحو تلك النافذة التي كانت موجودة في الغرفة، وفي اللحظة التي وصل بها إلى تلك النافذة اندهش مما رآه، حيث أنه لم يرى شيئًا سوى جدار ومدخل المستشفى فقط.
وفي النهاية تعجب الرجل من ذلك المنظر وأخذ بسؤال واحدة من الممرضات التي كانت ترعاه وقال: أين تلك الحديقة التي كان يسير بها صديقي ويجلس بها؟، وهنا أجابته الممرضة بقولها: لا يوجد هناك حديقة في ذلك المستشفى، وهنا سألته الممرضة بقولها: ولماذا تسأل يا عزيزي، وهنا حكى الرجل للممرضة عما كان يخبره به صديقه المتوفى، فتعجبت الممرضة ودهشت لهذا الأمر، وقالت للرجل: كيف ذلك، إن صديقك المتوفى كان رجلًا كفيف ولا يرى أبداً، وهنا قام الرجل بالطرق ملياً على أرجله، وأخذ يسأل نفسه وهو يجأش بالبكاء ويقول: وهل من الممكن أنه كان يفعل كل هذا من أجلي؟ رحمه الله بقدر ما كان يسعدني، ويزرع في الأمل من أجل مقاومة مرضي.