تُعتبر هذه القصة من القصص التي صدرت عن الكاتب والأديب هوبرت جورج ويلز، وقد تناولت القصة في مضمونها الحديث حول إحدى قصص الحب الخيالية والتي كانت مستمدة من التراث الهندي القديم، حيث كانت تدور الأحداث حول أحد الأمراء الذي عشق فتاة إلى حد الجنون، وقد أوصل به الأمر إلى أن جعلها ملكة عليه، ولكن لم تمضِ فترة قصيرة على زواجه منها ، إلا أن تعرضت تلك الملكة إلى لدغة أفعى سامة مما أودى بحياتها للموت، وقد حاول الأمير أن يشيد لها بناء وصريح تتحدث به الأجيال على مر العصور، إلا أنه بسبب المنطقة التي يقطنون بها وكثرة التعرج فيها قام بهدم البناية بعد الانتهاء منها، وظل بقية حياته في حالة انطواء.
قصة لؤلؤة الحب
في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة حول إحدى الجواهر والأحجار الكريمة الثمينة، فمن رأي الباحثين وعلماء النفس أنه في مجال علم الأخلاق أن حجار اللؤلؤ هي من أقرب أنواع الحجارة الكريمة المتبلورة إلى النفس البشرية؛ ويعود السبب في ذلك إلى أنها تعتبر من أهم وأبرز الأحجار الكريمة التي لها أكبر أثر من أثار الألم لكل كائن حي، وقد كان ذلك معروف في دولة الهند، ولا يمكن لأحد من سكان تلك الدولة أن يناقش في تلك المعلومة؛ وذلك لأن سحر الجواهر والأحجار لا يحرك أي وتر حقيقي من الأوتار النفسية والروحية؛ والسبب في ذلك إلى أن بريقها هو ما يؤثر في النفس الإنسانية.
وهنا من الممكن أن يتطرق القارئ إلى السؤال عن اللؤلؤ من جانب آخر وعلى وجه التحديد لؤلؤ الحب، فهل من الممكن أن تكون تلك اللؤلؤة دوناً عن غيرها من اللآلئ التي تثير في النفس الشجن والحزن، أم أنه في الحقيقة هي عبارة عن خرافة شاعت منذ القدم وتشير إلى خلود الجمال؟
ففي قديم الزمان حدثت إحدى القصص الحقيقية في دولة الهند، وتلك القصة كانت تدور في مضمونها عن أحد أنواع الحب والذي يعرف بالحب السامي، حيث أن هذا النوع من الحب والذي بدوره كان مختلف عن بقية أنواع الحب، إذ كان في تلك الدولة يتميز بطابع منفرد؛ ويعود السبب في ذلك إلى أن تلك البلاد تعرف ببلاد الشمس الوهاجة والبحيرات وكذلك تكثر فيها الأدغال الكثيفة والأودية الخصبة والتلال والسفوح العالية والشاهقة، هناك حيث الجبال العالية والشاهقة فيها تعانق السماء وفي تلك الطبيعة الساحرة والجذابة كان يقيم أحد الأمراء، وهذا الأمير ما زال في مرحلة الشباب من العمر.
وفي يوم من الأيام التقى الأمير بإحدى الفتيات والتي كذلك ما زالت في مقتبل العمر، كان ما يميز تلك الفتاة هو الجمال البراق، ومنذ أن التقى الأمير بتلك الفتاة وسرعان ما وقع في حبها إلى حد كبير، كما أن الفتاة كذلك قد وقعت في حب وعشق الأمير، ولكن شدة حب الأمير كانت أقوى إلى درجة أنه جعلها منها ملكة على نفسه ووضع قلبه عند قدميها.
وفي ذلك الوقت بعد أن حظي الأمير بالزواج من الفتاة وقضوا سوياً بعض الشهور توفيت الملكة بشكل مفاجئ، وقد كان السبب في موتها أنها تعرضت إلى لدغة أفعى سامة بينما كانت تطوف بإحدى الخمائل، ومنذ ذلك الوقت دخل الأمير في حالة صدمة كبيرة يتخللها الاكتئاب والحزن واليأس من الحياة بأكملها، ونظراً إلى الحالة التي أصابت الأمير خشي عليه الجميع من حوله من أن يقدم في يوم من الأيام على الانتحار؛ حيث أنه استمر لمدة يومين منقطع عن تناول أي طعام أو شراب.
ولكن ما حدث أنه بعد مرور يومين خرج الأمير من حجرته وتناول شيء قليل من الطعام ثم بعد ذلك انطلق دون أن ينطق بأي كلمة على الاطلاق، وكان يبدو عليه أنه يريد أن يقوم بعمل عظيم، وحين خرج إلى الخارج طلب من الخدم والحاشية أن يقوموا بوضع جثة الملكة في نعش مصنوع من مادة الرصاص وأن تكون ممزوجة كذلك بمادة الفضة، ثم بعد ذلك أمر أن يتم وضع ذلك النعش في نعش أخر مصنوع من أغلى أنواع الخشب والذي تفوح منه رائحة العنبر، وأن يتم كسوة ذلك النعش في النهاية من خالص الذهب، وأن يتم وضع من حوله قطع من الرخام المرصع بالزبرجد.
وفي تلك الأثناء مضى الأمير بعض الوقت إلى جانب نعشها، ومن ثم توجه نحو الغابة التي بها كان أجمل لحظات حياتهم، وبعد ذلك عاد وبدأ يتجول في غرف القصر من أجل استذكار أجمل اللحظات التي عاشها مع تلك الملكة، ومنذ أن توفيت الملكة لم يعد بمقدور ذلك الأمير أن ينظر لأي فتاة على الاطلاق، فعيناه أغلقت بعد تلك الفتاة والتي بدورها كانت قد خطفت قلبه مع عقله.
وفي تلك الفترة بدأ يفكر في من سوف يكون خليفه على العرش، وبدأت تتردد على ذهنه أن يفكر في اللجوء إلى تبني طفل يتولى الحكم والعرش من بعده، وهنا بدأ بالفعل في البحث عن طفل، وقد كان يطلب أن يكون الطفل ضمن مميزات معينة مثل الفطنة والذكاء والحكمة واللباقة وقوة الشخصية؛ وذلك لأن يرغب في أن يكون خليفته هو شخص لديه القدرة على أن مواصلة كافة أعمال الإمارة وأن يتمكن من إدارتها على أكمل وجه.
وفي تلك الأثناء أشار إلى مستشاريه أنه يريد أن يقوم بتخصيص مبلغ كبير من أمواله الخاصة من أجل أن يقوم بتشييد ضريح لتلك الفتاة التي ملكت فؤاده وروحه الغالية، وقد أمر أن ذلك الضريح يكون مجور الحديث في كافة ارجاء العالم، كما أمر أن يكون بناءه عبارة عن بناية شاهقة تتميز بأحدث طراز من البناء، وأن يتم تزيينها والفن في بنائها والزخرفة بها من الداخل والخارج، إذ أراد أن يكون جمال تلك البناية يفوق أي بناية تم تشييدها عبر العصور القديمة، وأوضح أنه يرغب في أن تكون البناية من العجائب التي يتم الحديث عنها على مر الزمان.
كما أمر أن تتم المحافظة عليها مدى الحياة وأن لا يسمح لأحد مهما كانت منزلته أن يلحق بها أي ضرر أو هدم مهما مرّ عليها من عقود، وقد قوبل طلبه بالقبول من قِبل كافة المستشارين، ومنذ تلك الوقت وقد تمت المباشرة في بناء تلك البناية ولكن بناء بناية بتلك المواصفات قد تستغرق سنوات، وبالفعل تتابعت السنوات في بناءها، إذ تم حفر لها أساسات في مختلف الصخور التي كانت متواجدة في مكان بارز وقريب من قصر الأمير.
ولكن ما حدث أنه بسبب كثرة التلال المتعرجة في تلك المنطقة، جعلت البناية ليست على الصورة التي رسمها الأمير في مخيلته، وحين أوشكت البناية على النهاية وتم وضع نعش الملكة الرخامي فيها، شعر الملك أن ذلك المكان لا يليق بملكته، وهنا طالب من الجميع أن يقوموا بهد تلك البناية، وقضى بقية حياته في حالة من البؤس والانطواء.