قصة لا تلم أحداً

اقرأ في هذا المقال


يُعتبر المؤلف والأديب خوليو كورتاثر وهو من مواليد دولة الأرجنتين من أهم وأبرز الكُتاب الذين اشتهر في كتابة الروايات والقصص القصيرة على مستوى العالم، ومن أكثر القصص التي اشتهر بها هي قصة لا تلم أحداً.

قصة لا تلم أحداً

في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة حول أحد الأيام في فصل الخريف، حيث كان هناك رجل تنتظره زوجته من أجل اختيار هدية لحفل زفاف، وقد كان الوقت في هذا اليوم متأخر وهو يعلم أن الجو بارد في الخارج، وهنا تحدث في نفسه أنه يجب عليه أن يلبس البلوفر المصنوع من الصوف الأزرق، أو أي شيء يكون مناسب مع البدلة الرمادية التي يرتديها، ففصل الخريف ما هو إلا لبس وخلع البلوفرات وحبس الأنفاس بداخلها من وجهة نظره، وهنا تحرك للتفتيش عن البلوفر في الخزانة، وبدأ في لبسه أمام المرآة وهذا لم يكن أمراً سهلًا بالنسبة له.

فقد كان ذلك بسبب القميص الذي يرتديه والذي يلتصق بصوف البلوفر، إذ يعاني من إدخال ذراعيه من خلال الفتحة، ويمد يده إلى أن يظهر أخيرًا أحد أصابعه من طرف كم الصوف الأزرق، غير أن هذا الإصبع كان يبدو وكأنه مجعدًا وملتويًا إلى الداخل، وبحركة واحدة سريعة سحب ذراعه من الكم، وقد صارت ذراعه خارج البلوفر، وهنا يرى أنها نفس يده ولم يحصل عليها شيء، ويخطر بباله أنه ربما كان من الأفضل أن يبدأ بوضع يده في الكم الآخر، حيث كان يعتقد أن الأمر سوف يصبح أسهل عليه بهذه الطريقة.

لكن لم يبدو الأمر كما توقع، لأنه بمجرد أن يلتصق صوف البلوفر بقماش القميص الذي يرتديه، يجعل العملية أصعب بمرتين، ومع ذلك بدأ يصفر من شدة الغضب، فبقي عقله منشغل ويشعر بأن ذراعه لا تكاد تتقدم بأي شكل من الأشكال، واعتقد أنه لن ينجح بدون مزيد من المناورة، في أن يجعلها تصل إلى فتحة الخروج.

فقد كان من الأفضل أن يحاول دفع كل شيء مرة واحدة، وأن بحني رأسه ويجعله في اتجاه رقبة البلوفر، فيما يقوم بعد  ذلك بإدخال الذراع الحر في الكم الآخر ويشد بقوة، في نفس الوقت كلا الكمين مع القبة، وفي الظلام الأزرق المفاجئ الذي كان يلف حوله يبدو من العبث أن يستمر في غضبه إلى أن وصل به الأمر إلى ظهور الاحمرار على خديه، على الرغم من أن جانب من وجهه أصبح بالخارج، لكنه الجبهة بقيت مغطاه، وكذلك ظل باقي وجهه مغطى وذراعيه بالكاد في منتصف المسافة داخل الكمين، ومهما شد بقوة فلا شيء يخرج من الفتحة.

ويظهر بداخله نوع من الغضب المتهكم، إذ أراد أن يقوم بإعادة المهمة بأكملها من جديد، وحينها أقحم رأسه بكل غباء في أحد الكمين، وذراع واحدة في رقبة البلوفر، وإذا كان الأمر كذلك يجب إذن أن تخرج يده بكل سهولة، لكنه لم ينجح في ذلك أيضاً، وعلى الرغم من أنه يدفع بكل قوته، إلا أنه كان يبدو في تلك اللحظة أن رأسه على وشك الظهور، لأنّ الصوف الأزرق كان يدفع بعضه بعضًا بقوة من جهة أنفه وفمه، وهنا يخنق نفسه أكثر، فيجبره ذلك الأمر على أن يتنفس بشكل عميق.

وهنا تعرق الصوف من أمام فمه، ومن المحتمل أنه سوف يصبغ وجهه باللون الأزرق، ومن حسن الحظ في نفس تلك اللحظة تخرج يده اليمنى من الفتحة إلى الخارج ويشعر بالبرودة، كما كان هناك إذنه أيضاً في الخارج، حتى وإن كانت الذراع الأخرى ما تزال محبوسة داخل الكم.

صحيحًا أنّ ذراعه اليمنى كانت داخل رقبة البلوفر، وهذا هو السبب في ما ظن أن الرقبة تضغط بشدة على وجهه، مما جعله يختنق أكثر فأكثر، وهنا تمكنت الذراع بدلًا من ذلك أن تخرج بكل سهولة، وفي هذا الوضع من المؤكد أن كل ما يستطيع فعله، هو أن يستمر في حشر نفسه فيه ويأخذ نفس عميق، ثم يخرجه شيئاً فشيئاً وقد وصف تصرفه بأنه تصرف غبي؛ لأنه لا يوجد هناك شيء يمنعه من أخذ النفس عميقًا للغاية.

وما زاد من الأمر سوء هو أن هناك أيضًا مذاق البلوفر، وهو مذاق الصوف الأزرق، ذلك الذي يحتمل أنه يصبغ وجهه بشكل متزايد،  وعلى الرغم من أنه لا يستطيع أن يرى شيئاً، لأنه في حال فتح عينيه فإن رموشه ترمش بصورة مزعجة ومؤلمة أمام البلوفر، وهو متأكد من أن الزرقة تلتف حول فمه المبتل إلى داخل أنفه وفوق خديه، وهنا بدأ يشعر بالقلق وتمنى أن يتمكن ولو لمرة واحدة وغلى الاطلاق أن يلبس البلوفر.

ودون أن يأخذ في عين الاعتبار في الواقع أنّ الوقت لا بد وأنه أصبح متأخر، وأن زوجته لا بد أن صبرها قد نفد وهي تنتظر خارج المحل التجاري، أخذ يحدث نفسه إن أفضل شيء يعمله هو أن يركز على ذراعه اليمنى، لأن تلك الذراع هي التي خارج البلوفر وهي التي تلامس الجو البارد في الخارج، إذ كانت أشبه بعلامة تشعره أن المسافة لم تعد طويلة، وبإمكانها أن تساعده كما تستطيع أن تتسلق ظهره إلى أن تصل لوسط البلوفر، من خلال تلك الحركة الكلاسيكية التي تمكن أي مرء من ارتداء أي نوع من البلوفرات عن طريق الجذب بقوة للأسفل.

ولسوء الحظ يبدو أن البلوفر قد التف حول الياقة بشكل كامل، والأمر الوحيد الذي يمكن أن تجده الذراع هو القميص الذي يزداد تجعدًا، بل يتدلى جزء منه خارج البنطلون، إذ بات لا جدوى من أن يحرك الذراع إلى الأمام، لأنه يتمكن أن يشعر على صدره بالقميص، وهنا البلوفر مرر الكتفين بصعوبة وهناك احتمال أن يكون متكور ومشدود، وكأن كتفيه أكبر من أن يتسع لهما هذا البلوفر، الأمر الذي يثبت حقًا أنه أرتكب خطأ فادح، وأنه وضع ذراعه في الياقة والأخرى في أحد الكمين، حيث كانت المسافة من الياقة إلى أحد الكمين مساوية تماماً لنصف المسافة من أحد الكمين إلى الآخر.

وبشكل ساخر خطر في ذهنه أنه لو كان هناك مقعد قريب، لكان بإمكانه أن يرتاح ويأخذ نفس، إلى أن ينجح في أن ارتداء البلوفر بشكل كامل، غير أنه فقد شعوره باللف بعد أن دار في دوائر مرات كثيرة جدًا، بذلك النوع من التمارين الرياضية التي تشعر الإنسان بالمرح، والتي تبدأ بارتداء أي قطعة من الملابس، والتي كانت تشبه أول خطوة في الرقص؛ وعلى كل حال سوف يكون الحل الوحيد هو أن يخلع البلوفر بشكل كامل؛ لأنه عجز عن ارتدائه.

وبالرغم من أن ذراعه تؤلمه بشكل كبير إذ احترقت أصابعه، ومع ذلك تساعده تلك الذراع، وينجح في أن يمسك من خلف الكم على وسط البلوفر المتكور على كتفه، وهو يشد بقوة للأسفل، والتي لم يبق له منها شيء إنها تؤلمه للغاية، وهنا يحتاج إلى مساعدة الذراع اليمنى بدلًا من التسلق غير المجدي إلى أعلى وأسفل قدميه، وبدلاً من قرصه من وراء ملابسه دون أن يكون قادرًا على منعها، لأن كل قوة إرادته محصورة في يدى اليسرى.

وهنا كان قد سقط على ركبتيه، وهو يشعر في تلك اللحظة وكأنه معلق من ذراعه اليسرى التي تشد البلوفر من جديد، ولا يعلم سوى أنه بالخارج، فالهواء البارد الطلق يهب عليه، إذ يعيش في زمن بارد ومختلف وهو الزمن خارج البلوفر، وهو الآن جالس على ركبتيه وجميل أن يكون المرء كذلك، إلى أن يفتح عينيه شيئاً فشيئاً متخلصًا من خيوط العنكبوت الزرقاء من الصوف بالداخل.

وفي النهاية يفتح عينيه بكل حرص ويشاهد أظافر الأصابع الخمسة تتأرجح فوق عينيه، وكان لديه الوقت الكافي لأن يغلق جفنيه، ولأن يرد نفسه إلى الخلف مغطيًا نفسه بذراعه اليسرى التي كانت تلك كل ما بقي له للدفاع عنه من داخل الكم لشد ياقة البلوفر إلى الأعلى، وتنسج خيوط العنكبوت ذات اللون الأزرق حول وجهه من جديد، فيما ينشط نفسه حتى يفر إلى مكان آخر ليصل في الآخر إلى مكان بدون اليد وبدون البلوفر كذلك، مكان ليس فيه سوى الجو العَطر يُطوقه.

وقد أراد الكاتب أن يشير من خلال تلك القصة على أنّ الإنسان هو من يوقع نفسه في متاهات هو في غنى عنها، فقبل البدء أن يلوم أحد الأشخاص، فإنه عليه أن يلوم نفسه أولاً.

المصدر: A story that blames no one


شارك المقالة: