قصة معجزة

اقرأ في هذا المقال


تُعتبر هذه القصة من أروع القصص القصيرة التي صدرت عن الكاتب والمؤلف خوسيه فيرناندو، حيث أعدت من القصص التي تم تأليفها بشكل متقدم وحديث من بين القصص التي انتشرت في البداية في أمريكا اللاتينية، كما تمت الإشارة من قِبل الأدباء والنقاد أنه تم سرد أحداثها بشكل مثير ومشوق بالنسبة للقارئ، وقد تم تجسيدها في العديد من الأفلام السينمائية العالمية، كما تمت ترجمتها إلى الغالبية العظمى من اللغات العالمية ومن ضمنها اللغة العربية، وقد جسد من خلالها الكاتب صورة معبرة جمع بها بين الماضي والحاضر.

قصة معجزة

في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة حول الشخصية الرئيسية وهو شاب يدعى ماوريسيو بابليانو، وقد كان ذلك الشاب في أحد الأيام تم استدعاءه من أجل تكريمه على أحد البحوث التي أعدها، وقد ذلك قد حصل بعد العديد من السنوات وأمام جموع من الناس التي كانت تشكل عدد كبير من زملائه الذين ساهموا معه في إعداد البحث، وعلى أحد المسارح التي كان سوف يتم تكريمه عليها صادف مرة أخرى من جديد تلك العيون التي كان قد سحر بها في زمن سابق.

وقد كانت حالة الطقس في ذلك اليوم عالي من ناحية درجات الحرارة، كما كانت ترافق الحرارة في ذلك اليوم هبات من نسمات الصباح الهادئة، وفي تلك الأثناء قامت إحدى الفرشات التي تميزت بلونها العسلي بالضرب بجناحيها بالقرب من مقعده، والتي كانت تشبه إلى حد كبير تلك العيون التي كانت تصاحب تفكير الشاب باستمرار.

وقد كانت تلك العيون حاضرة في تفكيره طوال الوقت، والتي بدورها قد قادته إلى التفكير جلياً في جمال الطبيعة من حوله، حيث أن ذلك المكان الذي كان يقام به المسرح بمجمله تقطن به نظراتها، حاول الشاب أن يتمالك نفسه في تلك اللحظات وقد كان يبتلع ريقه مرات عدة، إذ أراد أن لا يبدو على مظهره الخارجي أنه يشعر بالارتباك والتوتر أمام الجموع الحاضرة، ومن أجل أن يتخلص من ذلك قام بوضع يديه داخل جيب البذلة التي يرتديها.

وفي ذلك الوقت توجه بحديثه إلى أحد أصدقائه المقربين والذي كان يعمل كطبيب وقال له: أيها الطبيب هل تعتقد أنني يمكن أن أرى وجهها مرةً أخرى في يوم من الأيام؟، وقد كان كل ذلك الحديث يتمحور حول إحدى الفتيات التي كانت تراجع عنده كمريضة وتدعى أمارنتا، وقد كانت تلك المريضة التي لم يتمكن في يوم من الأيام أن ينسى أياً من ملامحها، أو أن ينسى مظهرها مُطلقًا، حيث أن طبيعة جلدها كانت تفوح منه رائحة تشبه إلى حد كبير رائحة زهور الريحان، والتي كانت تلك الرائحة تجعل منه إنسان يسيطر عليه الارتباك والتوتر على مدار الوقت؛ وقد كان السبب الخفي الذي يكمن خلف ذلك هو أن تلك الرائحة تحيي فيه ذكرى جدته والدة أمه.

وقد كانت تلك المريضة قد جاءت إليه في أحد الأيام التي كانت ممطرة بشكل غزير، حيث أنها كانت ذاهبة في ذلك اليوم للبحث عن طبيب من أجل الحصول على استشارة طبية منه، وقد وصلت إلى عيادته من باب الصدفة، وفي تلك الأثناء كان هناك كانت هناك فتاتان ذات جسم نحيل جداً تراقبا تلك الفتاة من مكان قريب، إذ كان يبدو الطبيب إلى جانب المريضة يبدوان وكأنهما عبارة عن صور مقطعة من ألبوم صور قديم، حيث أنه قبل وصول الفتاة إلى عيادته وبينما ما زالت تصعد على الدرج بدأ جسده بالارتجاف قليلًا، وحين شاهدتها للمرة الأولى لم يقوى بعدها على نسيانها قط، وحينما كان متواجد في المسرح وصل إلى مسامعه أن هناك مَن ينادي على اسمه من أجل أن يصعد إلى المنصة من أجل تكريمه.

توجه نحو المنصة ووصل إلى منتصف المنصة من أجل أن يتم تسليمه شهادة التكريم التي حصل عليها مع باقة من الزهور، وأول ما تناول باقة الزهور بين يديه فاحت رائحة أزهار الريحان ودخلت في أنفه في تلك اللحظة وأنعشت به روح الذكريات من جديد، وقد كانت واحدة من بين تلك الزهور تحتوي على وريقات ذات لون عسلي وتشبه إلى حد كبير جناحي الفراشة، كما كانت تتميز بإبراز في ما تبقى من الباقة بالكبرياء والعنفوان.

وفي تلك اللحظة اكتملت أمامه كامل ملامح المريضة، والتي تجسدت في صورة حديقة ريفية لإحدى البلدان البعيدة، كما وصف عيونها بأنها تبدو عين في السماء وعين أخرى تعكس الضوء في كافة أرجاء المكان، وهنا توجه بالحديث مرة أخرى إلى صديقه الطبيب وقال: كانت تلك الفتاة على الدوام تطوق نفسي إلى تذكرها، فإنني لم أنسى في أي يوم من الأيام أي شيء من ملامحها.

وهنا رد عليه صديقه الطبيب بقوله: سيادتك قديس، وأكمل حديثه لقد قامت تلك الفتاة المريضة والتي كانت حينما قدمت إليك تحمل في عنقها قلادة متدلية على صدرها بإعادتك من أجل أن تراها في نفسك على الدوام في ذلك الوجه المألوف لها، والذي كان يبدو على شكل ضبابي إلى حد ما أثناء سقوط الأمطار، كما جعلت ملامحها تظهر لك بذات السمات التي كانت تبدو عليها أنها غير سعيدة في حياتها وأنه يطغو على حياتها طابع الحزن والألم.

وعند سماع الشاب إلى ذلك الحديث شعر وكأن هناك عضة قد اقتحمت جلده، والتي بسببها لم يعد يقوى على الحركة بشكل مطلق، كما شعر في ذلك الوقت بأن كل القوة التي كان يتمتع بها من قبل قد خرجت من جسده وتسللت منها بشكل سحري، إذ أصبح وكأنه جسد فارغ محبوس داخل دوامة في أحد الأنهار، وبعد أن نظر من حوله شاهد أن هناك نحلة تحوم ببريقها داخل الزهور التي يوجد بداخلها الشوك.

وفي النهاية تذكر كامل الدروس التي كان يتلقاها ويدرس حولها في فترة المراهقة، والتي أكثر ما تذكر منها هو تاريخ النحل وما يتميز بها قرصة النحلة، حيث توصل من خلال تلك الذكريات إلى أن قرصة العسل الحامض والحلو هي ما أصيب بها، وهنا قال له صديقه الطبيب: هل ترغب في أن أقدم لك أي مساعدة؟، وهنا قال الشاب: حينها سمعت حديث ذلك الصديق وصوته بوضوح ودقة، ولكن بعدها سرت في جسدي قشعريرة غريبة، وحينما حاول أن يلتف برأسه للبحث عن تلك المريضة في كافة أرجاء المكان كان الوقت قد أصبح متأخرًا، إذ فقد المريضة بين ذلك الضجيج المليء بالأشخاص، وكان في وقتها يحمل بين يدية باقة الزهور باللون العسلي.


شارك المقالة: