تُعتبر هذه القصة من رواع الأدب الفرنسي، وقد عالجت من خلال محتواها أسوأ ظاهرة سادت في العديد من المجتمعات الدولية، ألا وهي ظاهرة التنمر، وعلى وجه التحديد تلك التي تدور ضمن المجتمعات التي يلتقون بها الأطفال مثل المدرسة.
قضة نزهة
في البداية كانت تدور أحداث القصة حول الشخصية الرئيسية فيها وهي فتاة تدعى سوزانا، حيث أن تلك الفتاة لا تزال في مرحلة التعليم المدرسي، كانت سوزانا تتميز بالخجل الشديد جداً، وإضافة إلى ذلك فقد كانت من أذكى الفتيات في الفصل، وهذا ما جعل الكثير من الزملاء من حولها في الصف يضمرون لها الحقد والكراهية، وقد كان ذلك الكره نابع من الغيرة منها وبسبب حصولها باستمرار على أعلى نسبة علامات في الصف.
وعلى الرغم من كافة المميزات الجيدة التي تتميز بها الفتاة إلا أنه كان هناك أمر يشعرها بالقلق والتوتر دائماً، ألا وهو عدم قدرتها على الرؤية بشكل جيد، وهذا ما جعلها باستمرار ترتدي نظارة طبية على أعينها، وقد كان ذلك الأمر يزعجها كثيراً؛ وذلك بسبب استهزاء وسخرية الطلاب منها في الصف، وفي الكثير من الأحيان كان يدفع بها الأمر إلى خلع النظارة عن أعينها، وحينما تحتاج إليها من أجل الكتابة أو القراءة ترتديها من جديد، وفي يوم من الأيام قام مجموعة من الطلاب في الصف وبينما كانت تحاول حل بعض المسائل على كتابها بنزع النظارة من على أعينها، وسرعان ما فروا بها وبدأوا بالدوار في غرفة الصف، وقد كانوا يستهزؤون من حجم النظارة الكبير.
وقد كان هناك الكثير من المواقف السيئة التي تعرضت لها تلك الطالبة إلا أن هناك موقف كان من أسوأ المواقف التي تعرضت له وهو أنه كان طالب في الصف يدعى لويس قام بإطلاق لقب عليها أمام جموع الطلاب في الصف، وهذا اللقب كان (صاحبة الأربع عيون)، ومنذ ذلك اليوم وقد أصبح جميع زملاؤها ينادونها بذلك اللقب إلى جانب اسمها، إذ اشتهرت بين الطلاب باسم سوزانا صاحبه الأربع عيون.
في البداية بدت سوزانا أما جموع الطلاب أنها لا تبالي فيما أطلق عليها، إلا أنها وبعد مناداتها باستمرار في ذلك اللقب أصبحت تعتريها حالة من الاشمئزاز ولم تبقى لديها قدرة على تحمل مثل هذه السخافات، حيث أن ذلك الاسم أصبح النداء الوحيد الذي تتم مناداتها به ليس فقط داخل صفها، وإنما في كافة أنحاء المدرسة ومن قِبل جميع الطلاب حين يلتقون بها في فترة الاستراحة.
وفي أحد الأيام كان من المقرر أن يذهبوا كافة الطلاب في الفصل الدراسي في رحلة مدرسية، ومن المقرر في تلك الرحلة القيام بإجراء زيارة إلى مجموعة من الكهوف الشهيرة في تلك المدينة وأثناء مسير الطلاب في رحلتهم كاد لويس أن يقع في إحدى الحفر المتواجدة في إحدى المناطق، وفي محاولة منه بإرجاع نفسه للخلف وعدم السقوط، إلا أنه لم يقوى على ذلك بعد أن كان قد أمسك بأقرب طالب منه وهي من كانت سوزانا، وقد باءت محاولته بالفشل وسقط هو وسوزانا إلى أسفل الحفرة، وقد كانت تلك الحفرة عميقة إلى درجة أنهم اختفوا عن الأنظار.
وعندما وصلا إلى أسفل الحفرة وجدا أنفسهما داخل أحد الكهوف، وقد كان ذلك الكهف معتم وكبير جدًا وكل ما يمكن رؤيته هو شعاع من الضوء قادم من أعلى، وقد كان الارتفاع في ذلك الكهف ما يقارب على العدة أمتار، وعلاوة على ذلك كان هناك وجود لمجموعة من جذوع الأشجار الموجودة في داخل الحفرة، وفي تلك الأثناء حاول كل من لويس وسوزانا الصراخ مراراً وتكراراً من أجل أن يسمعهما أحد ويقوم بمساعدتهما، ولكن دون جدوى، ومن هنا بدأ في التفكير في طريقة يخرجان بها من تلك الحفرة فاجتهدا معًا وقاوما البرد القارس داخل الكهف، كما أنه عانا كلاهما من الظلام الدامس طوال ليلة بأكملها.
وطوال ذلك الوقت كانوا الطلاب والأساتذة يبحثون عنهما، ولكن لم يعثر عليهما أحد، كما أنهم لم يكن أمامهم سوى بصيص ضوء صغير من الأعلى، ولولاه لما تمكنا من رؤية أي شيء على الإطلاق، إلا أن لويس استمر بالصراخ محاولاً بذلك طلب المساعدة، ولكن محاولاته لم تجدي بالنفع، كما أنه حاول استخدام النور الضئيل المنبعث من فوق للوصول إلى مخرج، وبعد مضي العديد من الساعات في البحث والتدافع لم يجدي كلاهم لوضعهم حلاً، وقد بدأ الخوف يقطن بداخل لويس.
وفي ذلك الوقت كان يبدو من حسب تفكير سوزانا أنه وقت الظهيرة؛ وذلك لأنها لاحظت أن شعاع الضوء كان يسقط من الفتحة بخط مستقيم، كما كان يهبط أمامها تماماً، وفي لحظة ما تناولت قطعة من الخشب كان موجودة في الكهف واستخدمت نظارتها كزجاجة مكبرة، وقامت بتركيز أشعة الضوء على قطعة الخشب، إلى أن نشأ منها لهب صغير.
وهنا أصبح لديهما شعلة يمكن الاستفادة منها، وقد كان لويس يحدق في كل ما تقوم به سوزانا بكل دهشة واستغراب وإثارة، وأمسك كلاهما ببعض فروع الأشجار ثم ذهبا في جولة داخل الكهف محاولين بذلك اكتشاف مخرج، وقد استغرق الأمر بعض الوقت، وكان عليهما باستمرار أن يحرقا عددًا قليلًا من المشاعل، ولكن أخيراً توصلا إلى مخرج من ذلك الكهف المظلم.
وأخيراً توصلا إلى الطريق، وهنا قدم لويس الشكر والعرفان العميق إلى سوزانا، كما أنه في تلك اللحظة كان يعتريه الشعور بالندم والخجل من تصرفاته معها في السابق، وعلى وجه الخصوص من ذلك اللقب الذي كان هو في الأصل من أطلقه عليها، إذ أن بفضل تلك النظارات أصبح لويس في أمان وتمكن من النجاة بحياته.
وبعد أن خرجا من ذلك الكهف المظلم استقبلتهما عناصر الشرطة ومجموعة من الصحفيين بكم من الأسئلة حول ما حدث معهم، فقال لهم لويس: لقد كان من حسن حظي أن وقعت في تلك الحفرة مع الطالبة النشيطة سوزانا وأتبع اسمها بلقب سيدة الضوء، حيث أنه كان الاسم الجديد الذي فكر في أن يطلقه عليها ومحاولة منه أن ينطق به أمام الجميع حتى يتناسوا اللقب القديم، ومن ذلك الوقت اختفى الاسم القديم لسوزانا.
وفي النهاية خرج لويس بخطاب قال فيه: ينبغي علينا أن يحترم كلٍ منا الآخر ولا يسخر منه مهما حدث، فالتنمر من أسوأ الأمور التي من الممكن أن يتعرض لها المرء، كما أنه يضفي على النفس بالشعور السيء ويجعله يكره من يسخرون منه، ولا يرغب في مرافقتهم واللعب معهم أو حتى مجرد رؤيتهم، فالجميع في هذه الحياة سواسية ولا فرق بين شخص وآخر.