تُعتبر هذه القصة من القصص القصيرة التي صدرت عن الكاتب والأديب الإسباني ألبارو لوزانو، وقد تناول من خلال مضمون الرواية الحديث عن الوقائع التاريخية المعاصرة، وحول حدوث الحروب ومدى تأثيرها على الناس وعلى ممتلكاهم ومن أبرزها الأرض، فالأرض هي أكثر ما تتأثر بالأسلحة التي يتم استخدامها في الحرب.
قصة هذه الأرض التي نسكنها
في البداية تدور وقائع وأحداث القصة حول أب يدعى مانويل وابنه الذي يدعى مارثا، حيث أنه كانا قد عادا في يوم من الأيام من أجل رؤية بلادهما، وقد كان ذلك بعد أن قضيا العديد من السنوات في المنفى، وأول ما وصلا إلى البلاد كان منحنى الطريق معروف بالنسبة إليهما، إذ لم يجدر بهما نسيانه على الرغم من قضائهما وقت طويل من الزمن، وفي تلك اللحظة أشارا إلى أحد الأماكن التي كانا في السابق يشعران فيها بالكثير من السرور والسعادة حين كانا يجلسان بها في الماضي، وفي لحظة ما دنا الأب من رأس الابن ونظر إلي عينيه واللتان تتخللهما حالة من الاكتئاب الشديد، وهنا حاول أن يجدد الأمل بداخله، إذ أراد أن يراه وعد متنظر، إلا أنه كان الابن لا يرى أمامه ما يبعث الأمل في النفس.
وفي ذلك الوقت كانا يسيران بخطوات بطيئة بين شوارع القرية، وقد كانا هم من أرادا ذلك، حيث أرادا أن يتمتعان برؤية القرية التي أُجبرا على تركها واستخدم ضدهما العنف من أجل ترك ممتلكاتهما ومغادرتها، وفي ذلك الوقت كان قد مر ما يقارب العام على انتهاء الحرب، وقد تم عقد السلام بعد أن كان هناك موافقة وتصفيق من بعض الجموع ومن جهة أخرى اللامبالاة والتشكيك من جموع أخرى.
وبناءً على ذلك كان الصفح والنسيان من الأمور المفروضة على جميع المواطنين؛ وذلك بموجب مرسوم السلام، وفي تلك الأثناء كثر الحديث والكلام حول الضحايا والتعويضات التي يتم صرفها لمن فقدوا ممتلكاتهم، وهذا ما جعل المكاتب الحكومية تمتلئ بآلاف الرجال والنساء؛ وذلك من أجل إثبات أحقيتهم في الحصول على تعويض عن ضحاياهم، وقد كانت قد رجعت إليهم أراضيهم التي فقدوها منذ عدة سنوات.
وأثناء سير الأب والابن في الطريق والنظر بحزن إلى تلك المناظر المزرية للقرية تحدث الأب قائلًا: في ذلك المكان كان هناك أحد المزارع التي كنا نرتادها في السابق، وإنني أتذكر تلك الحيوانات الكثيرة التي كنا قد حصلنا عليها من جارنا المزارع الذي يدعى خوسيه، وحين كنا نسرح بتلك الحيوانات كنا قد ألحقنا الضرر بالأعشاب في مختلف المزارع، وهنا قاطع الابن وقال: إنني أشعر بالتعب والجوع، فأجابه والده: لا تقلق؛ بمجرد أن نصل إلى المنزل سوف نجد والدتك قد أعدّت شيئًا من الطعام لأجلنا.
وحين وصلا على مقربة من المنزل نظر الابن إلى بيتهم القديم والذي كان في نهاية الطريق؛ وإذ به يراه أنه أصبح مجرد خراب مكون من أربعة جدران، وهي الوحيدة التي لا زالت صامدة في وسط الأرض التي أصبحت ذات لون رمادي؛ جراء الأثار التي خلفتها الحرب، وقد كان ذلك اللون شاهد على أوقات العنف والموت التي حدثت في القرية، وأول ما وصلا للمنزل ربطا الحصانين في الخارج ودخلا لمشاهدة أطلال المنزل ويتنفسان من هواه؛ وفي تلك اللحظة كانا وكأنهما استيقظا من كابوس مُفزع، وكل ما كانا يريدانه في الوقت الحالي هو الشعور بأنهما ما زالا على قيد الحياة، وفي طرف معين من المنزل قال الأب لابنه: لقد ولدتك والدتك في هذه الغرفة.
وهنا استند كل من الأب والابن على جدران المنزل المهدم؛ وكأنهما يرغبان في البقاء مزيد من الوقت حتى يُكملان رحلة اعترافاتهما، إذ سرعان ما تبادر إلى ذهنهم مقتل الابن الآخر والذي يدعى جوليان، إذ قامت قوات الجيش بإطلاق النار عليه ثلاث مرات متتالية، وهنا ذرفا بنظرهم إلى الأشجار الميتة التي كانت بجانب المنزل، وعانق كل منهما الآخر وعلما أن استمرارها في ذلك المكان سوف يجلب لهما ذكريات أقسى من ذلك، وعلى الرغم من أنهما قد استعادا الأرض، إلا أنه اعتراهما الحزن على الموتى الذين دفنوا بها، وأكملا سيرهم في أرجاء القرية.
وفي صباح اليوم التالي التقى الأب وابنه مع السيد خوسيه وكان برفقته رجل يدعى بروليو في منحنى الطريق، وهنا بدأ يتحدث الابن عن أرضهم وأشار إلى أنها أصبحت عبارة عن أرض ميتة ولا تصلح أبداً للزراعة، وأكمل حديثه بقوله: ولقد أخبرنا المكتب الحكومي أنه من الأفضل السعي في بيعها، وفي تلك الأثناء تناول الأب حفنة من التراب والذي كان يشبه الرماد بين يديه وأخذ يشمها، وعادت إليه الذكريات حين كانوا يزرعون بها أشجار النخيل خلال أخر خمسة عشر عامًا، وبدأ يفكر في أنه كيف مضى الوقت وبدأ يسعى الآن إلى بيع الأرض، وفي ذلك الحين صرح المشتري بأنه سوف يجلب من أجل إعادة إصلاحها العديد من الآلات والعمال والمواد الكيماوية؛ وهذا ما جعله يدفع بها ثمن بخيس.
وحينما سمع السيد خوسيه بذلك طلب رأيهم حول عرض المشتري، فرد عليه الابن: إن وضعنا سيء جدًا، لذلك نرغب في البحث عن مشتري آخر يدفع لنا مبلغ أكبر من ذلك المبلغ القليل، وفي تلك اللحظة قال الأب: وموتانا الذين دفنوا تحتها ماذا سوف نفعل بهم؟ ولكن الابن رد: هذه الأرض لنا ولن نتركها تذهب هباءً منثوراً، وأكمل حديثه بقوله: إن الأرض ليست فقط لدفن الموتى؛ إنها للحياة وفي حال بقينا هاهنا سوف نتضور جوعًا.
وفي تلك الأثناء شعر الأب أن حرارة الشمس بدأت تأكل بجسده، فنظر إلى عائلته بنضرة يتخللها الحزن، ولكن كان شدة حزنه تزداد ويشعر بالألم بشكل أكبر حين ينظر إلى هذين الرجلين اللذين يتحدثان حول بيع الأرض والعودة للإقامة في أحدى المدن التي لا ينتميا إليها من الأصل، حيث أنهما في تلك المدينة سوف يصبحان من الغرباء مدى حياتهم، وهنا هم بنفسه وقال: أشكركم إنني أفضل أن أعيش في أرضي وأنا أتضور جوعاً على أن أعيش غريبًا في إحدى المدن.
وفي النهاية عزم الأب والابن على الحفر في أعماق الأرض المستنفذة، وقاما بوضع أحد أنواع البذور التي تعرف ببذور الذرة، وقال الأب: إن دماء موتانا هي التي جعلت تلك الأرض ميته، وبدأت الأيام تسير دون أن يحدث أي جديد، وفي ذلك اليوم التي اقترب بها طعامهم على النفاذ، ذهبا من أجل إلقاء النظر على أرضهم واستلقيا بها لفترة على أمل أن يغلقا عيونهما والشعور بالاسترخاء قليلاً، إلا أنهم شاهدا أن أحد البراعم قد نبتت وهنا شعرا بفرحة عارمة من الانتصار والفرح.