تُعتبر هذه القصة من القصص القصيرة التي صدرت عن الأديب والكاتب غابرييل غارسيا ماركيز، وقد تناولت في مضمونها الحديث حول قصة طبيب أسنان يتميز بشخصية عنيدة ومتصلبة مع الجميع حتى أقرب الناس إليه، ممّا دفعته تلك الشخصية إلى محاولة قتل ابنه لولا أن دخل رئيس البلدية طالباً منه أن يقوم بتخليصه من ألم في أسنانه.
قصة يوم من تلك الأيام
في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة بوصف إحدى الليالي حيث أنه ظهر القمر في سماء تلك الليلة وكأنه باهت بعض الشيء، ولكن لم يكن هناك أي سقوط للأمطار، وما أن انتهى الظلام من تلك الليلة حتى بزغ فجر صباح اليوم التالي إلى أن استيقظ سيد يدعى أوتيلي، وقد كان ذلك الرجل ما يعمل في مجال طب الأسنان، وقد كان قد اعتاد ذلك الطبيب أن يستيقظ مبكراً من نومه وفي أغلب الأوقات كان بدقة يستيقظ في تمام السادسة صباحاً، وأول ما أفاق من نومه فتح غرفته الخاصة ثم بعد ذلك قام بإخراج طقم من الأسنان الصناعية والتي كانت مركبة وموجودة في أحد قوالب مصنوعة من مادة الجبس.
وفي تلك الأثناء كان باستمرار يوجد على مكتبه الخاص مقبض، وقد كان ذلك المقبض يحتوي على مجموعة من الأدوات المهمة التي يتم ترتيبها على حسب حجمها من الأصغر إلى الأكبر، وقد كان يبدو مظهرها كما لو أنه موجودة بمعرض خاص بالمنتجات، وفي ذلك اليوم كان الطبيب يرتدي قميص مقلم دون أن يرتدي معه ربطة عنق، وقد كان قميصه مغلق إلى نهايته بمجموعة من الأزرار الذهبية اللون، قد كانت البناطل التي يرتديها الطبيب على الدوام مثبته مع أحذيته والتي كان يحرص على أن تكون مرنة وخفيفة في قدمه بعض الشيء، وكان ما يتميز به الطبيب هو أن له نظرة حادة وغريبة بالنسبة لكل من يراه، إذ كان يبدو وكأنه إنسان أصم.
وفي تلك الأثناء وبعد أن تفقد أن كافة الأشياء موضوعة في مكانها المناسب على مكتبه الخاص، قام بدحرجة واحدة من ثمار الفراولة نحو الكرسي الخاص به، ثم بعد ذلك توجه من أجل القيام بتلميع طقم الأسنان الصناعية، وقد كان في تلك اللحظة يبدو أنه لم يدرك ما يقوم به، وكل ما كان يعرفه هو أنه فقط يقوم بعمله بشكل بكل عناد ضاغطًا على ثمرة الفراولة.
وبقي مستمراً على تلك الحالة إلا أن توقف عن العمل في تمام الساعة الثامنة مساءً، ثم بعد ذهب ليلقي بعض النظرات من نافذة غرفته صوب السماء، وهنا لاحظ أن الشمس قد بدت غائمة على المنزل المجاور، ثم بعد ذلك عاد من أجل متابعة عمله، حيث أراد أن يقوم بإنهائه قبل أن تهل الأمطار، وفي تلك اللحظة دخل عليه ابنه والذي كان يبلغ من العمر الحادي عشر عاماً، وقد قطع عليه بصوته العالي ما كان يفكر به، إذ ناداه قائلاً: يا والدي، فرد عليه الطبيب: ماذا تريد يا فتى؟ وقد كان الطبيب هذا الأسلوب الوحيد الذي يمتلكه في التعامل مع الجميع حتى ولو كانوا أقرب المقربين إليه، فقال الابن: إذا لم تقوى على إخراج الضرس، فإن ذلك الأمر سوف يدفع بك إلى رميه دون فائدة.
وحينما سمع الطبيب بذلك الحديث من ابنه قام بحركة بطيئة وهادئة ودون تسرع بترك ثمرة الفراولة التي كان يضغط عليها بكل قوته؛ ثم بعد ذلك تراجع بكرسيه للخلف وفتح صندوق كان يوجد أسفل المائدة، وقد كان هناك مسدس، ثم قال لابنه: حسنًا، ومن ثم قام بالتحرك على الكرسي إلا أن أصبح أمام الباب تماماً، وهنا طُرق الباب فاستند بيده على الحافة ثم بعد ذلك فتح الباب شيئاً فشيئاً وإذ به يرى أمامه رئيس البلدية، وقد كان قد ظهر رئيس البلدية وهو حالق الجانب الأيسر فقط من وجهه، بينما الجهة اليمنى من وجهه كانت متورمة، وقد كانت يتضور من الألم، وبسبب ذلك الألم الشديد لم يتمكن من تكملة حلاقة لحيته، وقد كان يعاني من ذلك الألم منذ ما يقارب على الخمسة أيام، وقد حاول كثيراً تناول المسكنات، إلا أنه لا جدوى منها.
وفي تلك اللحظة قام الطبيب بإرجاع المسدس وإغلاق الدرج الذي أمامه بأطراف أصابعه، ثم قال بكل هدوء: تفضل أيها الرئيس بالجلوس، فقال له رئيس البلدية: صباح الخير يا طبيب، فرد عليه الطبيب وهو بحالة من الفتور: أهلًا، وتوجه من أجل تعقيم الأدوات الطبية، ثم بعد ذلك استلقى رئيس البلدية على الكرسي مائلًا برأسه للخلف، وهنا حاول أن أن يتنفس ببعض الهواء البارد، وقد شعر بالراحة والأمل في تخفيف ألمه بعض الشيء.
وحينما نظر رئيس البلدية إلى عيادة الطبيب وجد أنها تبدو وكأنها مجلس الوزراء فقير، حيث كان كل ما يوجد بها هو كرسي قديم مصنوع من مادة الخشب، وبه نافذة زجاجية لها مقابض فخارية قديمة الطراز، وبينما كان رئيس البلدية منخرط في التفكير في أوضاع مجلس الوزراء، حينها تقدم الطبيب نحوه واعدل الإضاءة وفتح فمه؛ فقال له الطبيب: في الوقت الحالي سوف أقوم بإجراء ببعض التعديلات في الفك، ولكن دون أن أعطيك أي مادة مخدرة من أجل تخفيف الألم، وحين سمع رئيس البلدية بذلك انزعج ورد عليه: لماذا ؟ ؛ فأجابه الطبيب: وذلك لأن لديك معاناة لا أريدك أن تفقدها.
وفي تلك الأثناء حاول رئيس البلدية أن يصنع الابتسامة على شفتيه وقال للطبيب: لا عليك، وهنا قام الطبيب بتناول بعض الأدوات الطبية من ماكينة التعقيم، ووضعهم في أحد الأطباق الموجودة على الطاولة، ثم بعد ذلك ذهب من أجل أن يغسل يديه من حوض مجاور، كان يفعل كل شيء دون أن يلقي أي نظرة على رئيس البلدية، بينما الرئيس كان يتتبع كامل تحركات الطبيب.
وبعد لحظات نهض رئيس البلدية عن الكرسي قليلاً، إذ شعر أن المكان يبدو فارغًا تماماً من الهواء، وحينئذ قام بحركة سريعة بقدميه وذلك ليظهر أنه في حالة من الاضطراب، بينما الطبيب قام بتحريك معصمه وقال: هنا يأتي إلي في تلك العيادة ما يقارب على العشرين مريضًا ممن يحملون رتبة ملازم أول، وفي تلك اللحظة شعر رئيس البلدية أن هناك صوت صرير عظام داخل فمه، فرغرغت عيناه بالدموع دون إرادته، وبدأت تفوح منه رائحة العرق، حينما كان الطبيب قد انتهى من عمله وأعطاه قطعة من القطن حتى يضعها موضع مكان الألم، ثم مد له منديل نظيف وقال له: جفف دموعك.
وفي النهاية بينما كان الطبيب قد التف من أجل أن يغسل يده على الحوض، همّ رئيس البلدية بالفرار مسرعاً قائلًا: سوف أدفع الحساب في وقت لاحق، فقال له الطبيب: من جيبك أم من جيب البلدية؟ فأجابه رئيس البلدية دون أن يلقي أي نظره على الطبيب: كله من نفس الحقيبة.