قصيدة - أرقت وصحبتي بمضيق عمق

اقرأ في هذا المقال


قصة قصيدة “أرقت وصحبتي بمضيق عمق”:

أمّا عن مناسبة قصيدة “أرقت وصحبتي بمضيق عمق” فيروى بأنّ عروة بن ورد في يوم غزا قومًا من أقوام بني كنانة، وسبى منهم امرأة تدعى سلمى، ومن ثمّ أحبها وتزوجها، وبقيت زوجة له عشر سنوات، وكان يحبها وهي تحبه أيضًا حبًا شديدًا، وعلى الرّغم من حبها له، فقد كان حبها لأن تعود إلى أهلها، وأن تصبح حرة أكبر، ولذلك بقيت تطلب منه أن يذهبوا إلى ديار أهلها، وفي هذه الفترة كان تظهر له بأنّها سعيدة، حتى لا يشك في أمرها، وعندما وافق عروة على أن يذهبوا إلى ديار أهلها، بعثت لأهلها تخبرهم بقدومها مع زوجها، وطلبت منهم أن يفتدوها منه، وقالت لهم بأنّه سوف يوافق على ذلك لأنّه لا يشك في رغبتها بالبقاء معه.

وبالفعل حينما وصل عروة وزوجته سلمى إلى ديار أهلها، جلسوا معه وظلوا يسقوه الخمر، حتى ذهب عقله، ومن ثم طلبوا منه أن يفتدوا منه زوجته، وكانت حجتهم أنّه لا يجوز أن تكون امرأة بحسب سلمى ونسبها أن تكون من السبايا، وقالوا له بأنّه بعد الفداء يجب عليه أن يتقدم لها ويخطبها منهم، وبأنّهم سوف يوافقون عليه، وسوف يتزوج منها، فوافق عروة على ذلك، ولكن بشرط أن يخيروها فإن هي اختارت أنّها تريد الفداء فلها ذلك.

وفي صباح اليوم التالي، ذكرّ أهل سلمى عروة بوعده لهم، وأحضروا من كانوا شهودًا على ذلك، فما كان منه إلّا أن يوافق ويفي بوعده، وعندها قاموا بإحضار سلمى، وخيروها بين أن تبقى معه وبين أن تفتدى وتفارقه، فاختارت أن تفارقه، ثم توجهت إليه، وقالت له وهي تبكي: والله يا عروة، لن أقول فيك إلّا الحق، والله ما رأيت امرأة من العرب تزوجت من رجل خير منك، وأقل فحشًا منك، وأكرم منك، ولم يمرّ علي يوم منذ دخلت بيتك إلا وكان الموت علي أهون من أعيش بين قومك، لأنّي لم أكن أريد أن أسمع إحداهن تقول عني أمة عروة، فعد إلى قومك، وإلى ولدك وأحسن إليهم.

وقد ندم عروة على زوجته ندمًا شديدًا، وبكى عليها، وقال فيها واحدة من أروع قصائده، وقال فيها:

أَرِقتُ وَصُحبَتي بِمَضيقِ عُمقِ
لِبَرقٍ في تِهامَةَ مُستَطيرِ

إِذا قُلتُ اِستَهَلَّ عَلى قَديدٍ
يَحورُ رَبابُهُ حَورَ الكَسيرِ

تَكَشُّفَ عائِذٍ بَلقاءَ تَنفي
ذُكورَ الخَيلِ عَن وَلَدٍ شَفورِ

سَقى سَلمى وَأَينَ دِيارُ سَلمى
إِذا حَلَّت مُجاوِرَةَ السَريرِ

إِذا حَلَّت بِأَرضِ بَني عَلِيِّ
وَأَهلي بَينَ زامِرَةٍ وَكيرِ

ذَكَرتُ مَنازِلاً مِن أُمِّ وَهبٍ
مَحَلَّ الحَيِّ أَسفَلَ ذي النَقيرِ

وَأَحدَثُ مَعهَداً مِن أُمِّ وَهبٍ
مَعَرَّسُنا بِدارِ بَني النَضيرِ

وَقالوا ما تَشاءُ فَقُلتُ أَلهو
إِلى الإِصباحِ آثَرَ ذي أَثيرِ

بِآنِسَةِ الحَديثِ رُضابُ فيها
بُعَيدَ النَومِ كَالعِنَبِ العَصيرِ

أَطَعتُ الآمِرينَ بِصَرمِ سَلمى
فَطاروا في عِضاهِ اليَستَعورِ

سَقَوني النَسءَ ثُمَّ تَكَنَّفوني
عُداةُ اللَهِ مِن كَذِبٍ وَزورِ

وَقالوا لَستَ بَعدَ فِداءِ سَلمى
بِمُغنٍ ما لَديكَ وَلا فَقيرِ

أَلا وَأَبيكَ لَو كَاليَومَ أَمري
وَمَن لَكَ بِالتَدَبُّرِ في الأُمورِ

إِذاً لَمَلَكتُ عِصمَةَ أُمُّ وَهبٍ
عَلى ما كانَ مِن حَسَكِ الصُدورِ


شارك المقالة: