قصة قصيدة “أعيدوا صباحي فهو عند الكواعب”:
أمّا عن مناسبة قصيدة “أعيدوا صباحي فهو عند الكواعب” فيروى بأنّ أبو الطيب المتنبي قد ارتحل إلى الشام، وبينما هو هنالك دعاه الحسن بن عبيد الله بن الطغج إلى الرملة ليمدحه، فهمّ يريد السفر إليه، ولكنه قابل أبي العشائر بن حمدان، الذي ساعده للوصول إلى سيف الدولة الحمداني، الذي قربه منه وجعله في مرتبة الخالدين، فأصبح من السعيدين، وكان له خير المادحين.
ولكنّ الحسن بن عبيد الله أصر على مقابلة أبي الطيب المتنبي، فقام بإرسال رسول ومعه ركبة لكي يركبها أبو الطيب، في سنة ثلاثمائة وست وثلاثون، فلم يقبل المتنبي بالسفر إليه بسبب حاله الجديد، فأقسم الرسول ألّا يغادر من عنده إلّا وهو معه، فدخل أبو الطيب المتنبي إلى منزله وقام بكتابة قصيدة للحسن بن عبيد الله، ومن ثم انطلق مع رسوله إلى بلاده، وعندما وصل إلى الرّملة، توجه إلى قصر ابن طغج، ودخل إلى مجلسه، وعندما دخل أنشد عليه قصيدته التي كتبها، قائلًا:
أَنا لائِمي إِن كُنتُ وَقتَ اللَوائِمِ
عَلِمتُ بِما بي بَينَ تِلكَ المَعالِمِ
وَلَكِنَّني مِمّا شُدِهتُ مُتَيَّمٌ
كَسالٍ وَقَلبي بائِحٌ مِثلُ كاتِمِ
وَقَفنا كَأَنّا كُلُّ وَجدِ قُلوبِنا
تَمَكَّنَ مِن أَذوادِنا في القَوائِمِ
وَدُسنا بِأَخفافِ المَطِيِّ تُرابَها
فَلا زِلتُ أَستَشفي بِلَثمِ المَناسِمِ
دِيارُ اللَواتي دارُهُنَّ عَزيزَةٌ
بِطولِ القَنا يُحفَظنَ لا بِالتَمائِمِ
فقام الحسن بن عبيد الله بن طغج بإعطائة ألف دينار، وقد كانت هذه القصيدة هي أول قصيدة يأخذ عليها المتنبي جائزة كبيرة، ومن بعدها أمضى أبو الطيب عند ابن طغج مدة من الزمن، وفي يوم سأل ابن الطغج أبو الطيب أن يقوم بمدح أبي القاسم العلوي، فرفض المتنبي ذلك، فأصر ابن الطغج عليه، ولكنّه بقي على امتناعه، ومن ثم قال له ابن الطغج أن يكتب في أبي القاسم قصيدة بدل القصيدة التي كان يريده أن يكتبها له، فقبل أبو الطيب بذلك.
ومن بعد ذلك ذهب أبو الطيب إلى أبي القاسم، ووجده جالسًا على سريره، وحوله أشراف قومه، فنزل أبو القاسم عن سريره، ورحب به، وأجلسه بجانبه على سريره، وبينما هما يتحدثان أنشده أبو الطيب قائلًا:
أَعيدوا صَباحي فَهوَ عِندَ الكَواعِبِ
وَرُدّوا رُقادي فَهوَ لَحظُ الحَبائِبِ
فَإِنَّ نَهاري لَيلَةٌ مُدلَهِمَّةٌ
عَلى مُقلَةٍ مِن بَعدِكُم في غَياهِبِ
بَعيدَةِ ما بَينَ الجُفونِ كَأَنَّما
عَقَدتُم أَعالي كُلِّ هُدبٍ بِحاجِبِ
وَأَحسَبُ أَنّي لَو هَويتُ فِراقَكُم
لَفارَقتُهُ وَالدَهرُ أَخبَثُ صاحِبِ
فَيا لَيتَ ما بَيني وَبَينَ أَحِبَّتي
مِنَ البُعدِ ما بَيني وَبَينَ المَصائِبِ
أَراكَ ظَنَنتِ السِلكَ جِسمي فَعُقتِهِ
عَلَيكِ بِدُرٍّ عَن لِقاءِ التَرائِبِ
وَلَو قَلَمٌ أُلقيتُ في شَقِّ رَأسِهِ
مِنَ السُقمِ ما غَيَّرتُ مِن خَطِّ كاتِبِ