قصة قصيدة “أقلي علي اللوم يا ابنة منذر”:
أمّا عن مناسبة قصيدة “أقلّي علي اللوم يا ابنة منذر” فيروى بأنّ عروة بن الورد كان من أكرم قومه، ومن أحسنهم خلقًا، ومن أفضلهم في الفروسية، وفي يوم خرج عروة بن الورد في غزوة، وقاتل فيها قومًا من بني كنانة، وانتصر عليهم، وسلب من عندهم امرأة تدعى سلمى، وكنيتها أم وهب، وأعادها معه إلى دياره، وجعلها جارية من جواريه، وبينما هي عنده أحبها حبًا كبيرًا، وقام بعتقها، ومن ثم تزوجها، ومكثت معه ما يزيد على عشر سنوات، وفي هذه العشر سنين كان يحسن معاملتها، ويظهر لها حبه، وكان موقنًا من أنها تحبه، وبالفعل فقد كانت سلمى “أم وهب” تحبه كما يحبها بل و أكثر من حبه لها، وكانت تخاف عليه من الغزو، وتلومه بعد كل غزوة يقوم بها، وتطلب منه المرّة تلو الأخرى أن يكف عن الغزو، فهي تخاف أن يخرج في يوم إلى الغزو ولا يعود إليها.
ولكنّ عروة بن الورد كان يحب الغزو، فقد كان من الفرسان المعدودين في الجاهلية، وكان مصمّمًا على الخروج قدر استطاعته للغزو، فهو يريد أن يتذكره الناس بأنه مقاتل لا يهاب أحدًا، مقاتلًا وشجاعًا، وأيضًا كان يجمع المال من هذه الغزوات ويوزعها على الفقراء والمحتاجين، وفي يوم وبعد عودته من إحدى الغزوات، جلست معه زوجته سلمى، وبدأت تعاتبه وتطلب منه أن يكف عن الغزوات، فقال لها واحدة من أروع قصائده، التي بيّن فيها رأيه في الغزو، ودوافعه منه، وذكر فيها أيضًا رأي زوجته، وأنشد فيها قائلًا:
أَقِلّي عَلَيَّ اللَومَ يا ابنة مُنذِرٍ
وَنامي وَإِن لَم تَشتَهي النَومَ فَاِسهَري
ذَريني وَنَفسي أُمَّ حَسّانَ إِنَّني
بِها قَبلَ أَن لا أَملِكَ البَيعَ مُشتَري
أَحاديثَ تَبقى وَالفَتى غَيرُ خالِدٍ
إِذا هُوَ أَمسى هامَةً فَوقَ صُيَّرِ
تُجاوِبُ أَحجارَ الكِناسِ وَتَشتَكي
إِلى كُلِّ مَعروفٍ رَأَتهُ وَمُنكَرِ
ذَريني أُطَوِّف في البِلادِ لَعَلَّني
أُخَلّيكِ أَو أُغنيكِ عَن سوءِ مَحضِري
فَإِن فازَ سَهمٌ لِلمَنِيَّةِ لَم أَكُن
جَزوعاً وَهَل عَن ذاكَ مِن مُتَأَخِّرِ
وَإِن فازَ سَهمي كَفَّكُم عَن مَقاعِدٍ
لَكُم خَلفَ أَدبارِ البُيوتِ وَمُنظَرِ
تَقولُ لَكَ الوَيلاتُ هَل أَنتَ تارِكٌ
ضُبُوّاً بِرَجلٍ تارَةً وَبِمِنسَرِ
وَمُستَثبِتٌ في مالِكَ العامَ أَنَّني
أَراكَ عَلى أَقتادِ صَرماءَ مُذكِرِ
فَجوعٌ لِأَهلِ الصالِحينَ مَزَلَّةٌ
مَخوفٌ رَداها أَن تُصيبُكَ فَاِحذَرِ
أَبى الخَفضَ مَن يَغشاكِ مِن ذي قَرابَةٍ
وَمِن كُلِّ سَوداءِ المَعاصِمِ تَعتَري