ما لا تعرف عن قصيدة “إذا لعب الغرام بكل حر”:
أمَّا عن قصيدة “إذا لعب الغرام بكل حر” التي تعد من أجمل القصائد التي كتبها عنترة بن شداد؛ لأنَّها تحمل فيها روح التحدي والمواجهة لقومه بسبب لونه الأسود، وهذه القصيدة يكابر ويفاخر فيها مرارة ألم الحب وأيضاً يبين فيها الصفات الحميدة التي يتحلى بها الإنسان وأفعاله ومواقفه الرجولية التي أشتهر بها عنترة وهذه الصفات ترفع من قدر عنترة فوق مستوى النسب واللون.
فيقول عنترة بن شداد في المقطع الأول من القصيدة إذا كان الكرم من الناس فقد يلعب بهم الشوق وهذا الشيء يخرجهم عن دائرة الأخلاق والعفة والوقار، فيقول الشاعر أحمد الله على نفسي وشجاعتي والقوة التي استمديتها من صبري الذي أتحلى به، وأيضاً يقول دائماً يحب الواحد أن يكون بجوار محبوبة العمر كله ولكن هذا الحب فيه مذلة وقد فضلت أن ابتعد لكي لا أجعل لحسادي فرصةً لينالوا مني ولذلك قررت أن أخفي عشقي عنهم، حيث قال:
إذا لَعِــبَ الغـــرامُ بكـــلَّ حُـــرَّ
حَمِدْتُ تجلُّدي وشَكَرْتُ صبري
وفضَّلـتُ البِعـادَ علـى التدانـي
وأخفيتُ الهوى وكتمـتُ سِـرِّي
ولا أُبْقــــي لـعذَّالـــي مـجـــالاً
ولا أشْفي العـدُوَّ بَهَتْـكِ سِتْـري
وبعد ذلك يظهر في أبياته حكمة فيقول قد عرفت ولأن الرجل الحق يجب أن يكون حكيماً، فإني قد عرفت تقلب الأيام وخضت الكثير منها ون تجاربها حتى عرفت كيف اتأقلم معها، وتعلمت كي لا تغدرني الحياة أو تخدعني، بالنسبة إلى الدهر الذي يختار جميع الناس فأنا حذرًا منه فعندما رأتني بهذه القوة والحكمة فقد كان الذل من نصيبه لا من نصيبي، حيث قال:
عرَكْــتُ نوائِــبَ الأَيــام حتــى
عَرَفتُ خيالها منْ حيثُ يسري
وذَلَّ الـدَّهـــر لـمَّــا أن رآنـــي
أُلاقــي كـــلَّ نائبـــة ٍ بصــدري
وهنا ينتقل إلى الزمان ويقول أن هذا الزمان لا يعب لون جلدي كما فعلوا قومي معي، لأن الزمان عرف أني ذو أخلاق كريمة ورفيعة، ولو نسي الأسود لا يقلل من قيمتي وقدري وشخصيتي، هذه الصفات كلها لا تكون مقياسًا على لون جلدي، إذا ذكر الافتخار يومًا فيكون أخلاقي وأفعالي وصفاتي من بينهم، وفقد كان ضربي بالسيف أثناء الحروب هو فخر يفتخر به وأعتز به على سائر العرب، حيث قال:
وما عابَ الزَّمـانُ عَلَـيّ لوْنِـي
ولا حَــطّ السَّـــوادُ رفيـــعَ قَــدري
إذا ذُكِـرَ الفَخَــارُ بأرضِ قَـــومٍ
فَضربُ السيفِ في الهَيجاءِ فخري
فقول عنترة بن شداد أن مكانتي وصلت إلى عنان السماء، ووصلت حتى النجوم، فإن الكثير حاولوا أن يصلوا إلى ما وصلت إليه ولكنهم لم يفلحوا بذلك، حيث قال:
سَمَوتُ إلى العُلا وعَلَوتُ حتى
رأَيتُ النَّجمَ تَحتي وهو يجري
وقَوماً آخرينَ سَعَــوا وعــادُوا
حَيَارَى مـا رأوا أثــراً لأثــري