قصة قصيدة “بخ بخ يا عتب من مثلكم”:
أمّا عن مناسبة قصيدة “بخ بخ يا عتب من مثلكم” فيروى بأن أبو العتاهية كان واقعًا يحب جارية لرائطة بنت أبي العباس السفاح، وكان من يهتم برائطة ويرعاها هو ابن عمها أمير المؤمنين المهدي بن المنصور، وعندما وصل خبر حبه لعتبة إلى المهدي بن المنصور، غضب من ذلك غضبًا شديدًا، وقال: ألم يجد هذا الجرار من يعبث بحرمته إلا نحن؟، وقد كان أبو العتاهية قبل أن يتأدب ويرتفع أدبه يبيع الجرار في أسواق الكوفة.
ومن ثم أمر المهدي بن المنصور بأن يسجن أبو العتاهية، ولكن يزيد بن المنصور قد قام بالشفاعة له عند المهدي، وهو خاله، فشفع له، ومن بعدها عاد أبو العتاهية إلى سابق حاله مع عتبة، وعندما طال هذا، قامت رائظة بالذهاب إلى المهدي بن المنصور، وشكته له، وقالت: لقد شهر أبو العتاهية بجاريتي بما يقول من شعر وفضحها، فأحضره وقام بضربه بالسواط، حتى أغشي عليه وعندما أفاق رفع رأسه، وإذ بعتبة فوق رأسه تنظر إليه، فأنشد قائلًا”
بَخٍ بَخٍ يا عُتبُ مَن مِثلُكُم
قَد قَتَلَ المَهديُّ فيكُم قَتيل
فتعجب المهدي بن المنصور لحاله، وعطف عليه، وأمر بأن يقوموا بالإحسان له، ووعده بأن يزوجه من عتبة، وعندما علمت عتبة بخبر ذلك، قالت له: يا أمير المؤمنين، إني أستجير في مروءتك، وشرفك وما لزمك من حق خدمتي أن لا تقوم بإخراجي من دار العز والنعمة إلى بيت جرار سوقي نفسه دنيئة، فهو يريد الذكر والشهرة، وإنه والله ليس بعاشق، وإن أردت أن تتأكد من ذلك، فقم بإعطائه بعضًا من المال، فإنه بذلك سوف يلتهي عني وينشغل عن ذكري.
فقام المهدي بأمر من عنده بأن يعطوه مائة ألف درهم، ولكنّه لم يسميها ورق هي أم دراهم، فقاموا بإعطائه المائة ألف درهم، فرفض ذلك وقال: والله إني لا أراه وقع لي بمائة ألف درهم، فإنّه لم يكن ليعوضني عنها بأقل من ذلك، وبقي يتردد شهرًا يطالب بما أمر له أمير المؤمنين، فدخلت عليه عتبة في يوم، وقالت له: لو أنّك عشقتني حقًا، لشغلك ذلك عن المفاضلة بين الدراهم والدنانير، وبلغ خبر ذلك إلى المهدي، فتيقن من أنّها تعرف أبا العتاهية أكثر منه، وعدل عن قراره بتزويجه منها.