ما لا تعرف عن قصيدة “جفا وده فازور أو ملّ صاحبه”:
أمَّا عن قصيدة “جفا وده فازورَّ أو ملَّ صاحبه” التي قالها بشار بن برد في مدح آخر خلفاء بني أمية الخليفة الأموي مروان بن محمد، إذ يقول فيها:
جَفا وِدُّهُ فَازوَرَّ أَو مَلَّ صاحِبُه
وَأَزرى بِهِ أَن لا يَزالَ يُعاتِبُه
خَليلَيَّ لا تَستَنكِرا لَوعَةَ الهَوى
وَلا سَلوَةَ المَحزونِ شَطَّت حَبَاِئبُه
شَفى النَفسَ ما يَلقى بِعَبدَةَ عَينُهُ
وَما كانَ يَلقى قَلبُهُ وَطَبائِبُه
فَأَقصَرَ عِرزامُ الفُؤادِ وَإِنَّما
يَميلُ بِهِ مَسُّ الهَوى فَيُطالِبُه
إِذا كانَ ذَوّاقاً أَخوكَ مِنَ الهَوى
مُوَجَّهَةً في كُلِّ أَوبٍ رَكائِبُه
لهذه القصيدة مناسبة عظيمة يحكى أنّ رأس من رؤوس الخوارج يدعى “الضحاك الشيباني” هاجم الكوفة لِما فيها من اضطرابات فاستولى عليها، فعلم مروان بن محمد بحال الدولة فقام وأرسل ابنه عبدالله لقتال “الضحّاك”، فالضّحاك علم أنَّ جيش ابن مروان في الطريق فدبر له كمين فوقع فيه عبدالله وجنوده، فوصل الخبر لمروان بن محمد بما حصل.
فجهّز مروان بن محمد جيشًا لمساعدة ابنه فخرج من دمشق إلى الكوفة ومعه قائد عظيم يدعى “ابن هبيرة” وهناك وقعت معركة عظيمة تسمّى “معركة طاحنة” فقتل فيها الضحّاك وفك الحصار عنها، فبدأ بشار بن برد يمدح الخليفة بقصيدة تقليدية غزلية.
غَدَت عانَةٌ تَشكو بِأَبصارِها الصَّدى
إِلى الجَأبِ إِلّا أَنَّها لا تُخاطِبُه
وَظَلَّ عَلى عَلياءَ يَقسِمُ أَمرَهُ
أَيَمضي لِوِردٍ باكِراً أَم يُواتِبُه
فَلَمّا بَدا وَجهُ الزِماعِ وَراعَهُ
مِنَ اللَيلِ وَجهٌ يَمَّمَ الماءَ قارِبُه
فَباتَ وَقَد أَخفى الظَلامُ شُخوصَها
يُناهِبُها أُمَّ الهُدى وَتُناهِبُه
إِذا رَقَصَت في مَهمَهِ اللَيلِ ضَمَّها
إِلى نَهَجٍ مِثلِ المَجَرَّةِ لاحِبُه
وبعد مدح الخليفة ينتقل إلى وصف الناقة التي حملته إلى الكوفة ووصف أيضاً الرحلة بما فيها من مشاق ومتاعب ومصاعب عظيمة، فقد تظهر في هذه القصيدة عدّة من اللوحات الفنية التي ذكرها بشار بن برد وهي: المقدمة الغزلية، والصداقة والرحلة إلى أن تنتهي بمدح الخليفة الأموي مروان بن محمد وقيس بن عيلان، قائلاً:
وَكُنّا إِذا دَبَّ العَدُوُّ لِسُخطِنا
وَراقَبَنا في ظاهِرٍ لا نُراقِبُه
رَكِبنا لَهُ جَهراً بِكُلِّ مُثَقَّفٍ
وَأَبيَضَ تَستَسقي الدِماءَ مَضارِبُه
وَجَيشٍ كَجُنحِ اللَيلِ يَرجُفُ بِالحَصى
وَبِالشَولِ وَالخَطِّيِّ حُمرُ ثَعالِبُه
غَدَونا لَهُ وَالشَمسُ في خِدرِ أُمِّها
تُطالِعُنا وَالطَلُّ لَم يَجرِ ذائِبُه
بِضَربٍ يَذوقُ المَوتَ مَن ذاقَ طَعمَهُ
وَتُدرِكُ مَن نَجّى الفِرارُ مَثالِبُه