قصة قصيدة “خليلي مرا بي على أم جندب”:
أمّا عن مناسبة قصيدة “خليلي مرا بي على أم جندب” فيروى بأن إمرؤ القيس كان ليس محبوب عند النساء، وبأنّه في يوم تزوج من امرأة من طيئ، وقد كرهته من أول يوم لها معه، وقالت: يا خير الفتيان أصبحت، فرفع رأسه ونظر فإذا الليل كما هو، ولم يأتي الصباح، فقالت: أصبح الليل، فقال لها: إني أعلم أنّك كرهتيني، ولكن أخبريني ما الذي كرهته مني؟، فقالت له: لقد كرهت منك أنّك سريع النوم، وصعب الإيقاظ، وأنّك صاحب صدر ثقيل.
وفي يوم زاره علقمة الفحل التميمي، وجلس عنده، وبينما هم جالسين بدؤوا بإلقاء الشعر، وبينما هم يلقون الشعر، قال كل واحد منهم أنّه أشعر من الآخر، ولم يكن في البيت غير زوجته، فاحتكما إليها، بأن يقول كل واحد منهما الشعر، وتختار هي صاحب الشعر الأفضل، فبدأ إمرؤ القيس، ينشد قائلًا:
خَليلَيَّ مُرّا بي عَلى أُمِّ جُندَبِ
نُقَضِّ لُباناتِ الفُؤادِ المُعَذَّبِ
فَإِنَّكُما إِن تُنظِرانِيَ ساعَةً
مِنَ الدَهرِ تَنفَعني لَدى أُمِّ جُندَبِ
أَلَم تَرَياني كُلَّما جِئتُ طارِق
وَجَدتُ بِها طيباً وَإِن لَم تُطَيَّبِ
عَقيلَةُ أَترابٍ لَها لا ذَميمَةٌ
وَلا ذاتُ خَلقٍ إِن تَأَمَّلتَ جَأنَبِ
أَلا لَيتَ شِعري كَيفَ حادِثُ وَصلِه
وَكَيفَ تُراعي وَصلَةَ المُتَغَيِّبِ
قامَت عَلى ما بَينَنا مِن مَوَدَّةٍ
أُمَيمَةُ أَم صارَت لِقَولِ المُخَبِّبِ
حتى وصل إلى قوله:
فَكانَ تَنادينا وَعَقدَ عِذارِهِ
وَقالَ صِحابي قَد شَأَونَكَ فَاِطلُبِ
فَلَأياً بِلَأيٍ ما حَمَلنا غُلامَن
عَلى ظَهرِ مَحبوكِ السَراةِ مُجَنَّبِ
وَوَلّى كَشُؤبوبِ الغَشِيِّ بِوابِلٍ
وَيَخرُجنَ مِن جَعدٍ ثَراهُ مُنَصَّبِ
فَلِلساقِ أُلهوبٌ وَلِلسَوطِ دُرَّةٌ
وَلِلزَجرِ مِنهُ وَقعُ أَهوَجَ مُتعَبِ
ومن ثم أنشد علقمة قائلًا:
ذَهَبتَ مِنَ الهِجرانِ في غَيرِ مَذهَبٍ
وَلَم يَكُ حَقّاً كُلُّ هَذا التَجَنُّبُ
لَيالِيَ لا تَبلى نَصيحَةُ بَينِنا
لَيالِيَ حَلّوا بِالسِتارِ فَغُرَّبِ
مُبَتَّلَةٌ كَأَنَّ أَنضاءَ حَليِها
عَلى شادِنٍ مِن صاحَةٍ مُتَرَبَّبِ
مَحالٌ كَأَجوازِ الجَرادِ وَلُؤلُؤٌ
مِنَ القَلَقِيِّ وَالكَبيسِ المُلَوَّبِ
إِذا أَلحَمَ الواشونَ لِلشَرِّ بَينَنا
تَبَلَّغَ رَسُّ الحُبِّ غَيرُ المُكَذَّبِ
وَما أَنتَ أَم ما ذِكرُها رَبَعِيَّةً
تَحُلُّ بِإيرٍ أَو بِأَكنافِ شُربُبِ
حتى وصل إلى قوله:
إِذا أَنفَدوا زاداً فَإِنَّ عِنانَهُ
وَأَكرُعَهُ مُستَعمَلاً خَيرُ مَكسَبِ
رَأَينا شِياهاً يَرتَعينَ خَميلَةً
كَمَشيِ العَذارى في المُلاءِ المُهَدِّبِ
فَبَينا تَمارينا وَعَقدُ عِذارهِ
خَرَجنَ عَلَينا كَالجُمانِ المُثَقَّبِ
فَأَتبِع آثارَ الشِياهِ بِصادِقٍ
حَثيثٍ كَغَيثِ الرائِحِ المُتَحَلِّبِ
فقالت له: إنّ شعر علقمة هو الأحسن، فقال لها: أخبريني كيف؟، فقالت له: لقد قمت بزجر حصانك، وبقدمك حركته، وقمت بضربه بسوطك، وإنّه أدرك الصيد من عنان فرسه، فغضب منها، وطلقها.
ومن بعد أن طلق إمرؤ القيس زوجته تزوجها علقمة الفحل، وكان ذلك سبب تسميته بالفحل.