قصة قصيدة - سألت ربي فقد أصبحت لي شجنا

اقرأ في هذا المقال


ما لا تعرف عن قصيدة “سألت ربي فقد أصبحت لي شجنا”:

هذه القصيدة لشاعر من العصر الإسلامي فهو بشر الأسدي، فهذه القصيدة من القصص التي قضوا نحبهم عشقًا وأمّا عن الفتاة التي أحبها الشاعر فهي هند فتاة من قبيلته تعد من أجمل النساء في عصرها تزوجها سعد بن سعيد تعد هذه الفتاة التي أحبها وعشقها (بشر الأسدي).

تحكى هذه القصيدة قصة رائعة من القصص الشعر العربي عندما نظرت هند إلى بشر كان ذاهبًا إلى بيت رسول الله، فكانت تنظر إليه دومًا وتنتظره على الطريق حتى أصبحت تدمن الجلوس لانتظاره وعندما لا يمر كان يصيبها القلق والإضطراب إلا النظر إلى وجهه، وفي يوم من الأيام انتبه إلى نظراتها فرد عليها السلام فكانت تحس هذا السلام شيء جميل من حياتها وتحسها حيز جميل، فكانت تناجي نفسها قائله:

أهواكَ يا بشرُ دون الناس كلهم
وغيركَ يهواني فيمنَعُهُ صدّي

تمرُّ ببابي لست تعرفُ ما الذي
أكابدُ من شوقي إليكَ ومن بُعدي

فياليتني أرضٌ وأنتَ أمامها
تدوسُ بنعليك الكرامِ على خدّي

ويا ليتني نعلاً أقيكَ من الحَفَا
ويا ليتني ثوباً أقيكَ من البَرْدِ

تباتُ خليَّ البالِ من ألمِ الجَوَى
وقلبي كواهُ الحبُّ من شدّةِ الوجدِ

وإنك إن قصَّرت عني ولم تزر
فلابُدَّ بعدَ الصدِّ أدفن في لحدي

وهنا عندما أحست أن الحب الذي في قلبها تجاوز حده قررت أن تحول هذا الحب إلى شعر ففعلت هذا وبعثت هذا الشعر مع جارية من جواريها إلى بشر الإسدي ولما وصلت إليه رد عليه السلام وقال لها ماذا عندكِ؟، فردت عليه الجارية وقالت: “أنا جارية من جواري السيدة هند فقد أرسلتني إليك لكي اعطيك هذا المكتوب”، فأخذه وقرأه وفهم ما هو موجود ثم نظر إلى الجارية وسألها: هل هند متزوجة أم عذراء؟، فقالت الجارية: بل هي متزوجة من رجل في المدينة، فرد عليها بشر بكلام الله وقال:

عليكِ بتقوى الله والصَّبر إنّه
نهى عن فجور بالنساءِ مُوَحّدُ

وصبراً لأمرِ الله لا تقربي الذي
نهَى الهُ عنه والنبيّ محمدُ

فلا تطمعي في أن أزوركِ طائعاً
وأنت لغيري بالخناءِ معوّدُ

فأخذت الجارية هذه الرسالة وأعطتها للسيدة هند، فعندما سمعت هذا الكلام بكت بكاء شديد وكتبت إليه، قائله:

أما تخش يا بشر الإله فإنني لفي
حسرةٍ من لوعتي وتسهدي

فإن زرتني يا بشر أحييتَ مهجتي
وربي غفورٌ بالعطا باسطُ اليدِ

وفي اليوم التالي رجعت إليه الجارية ومعها مكتوب من السيدة هند فقد صعب على بشر هذا الكلام وكتب إليها هذه الأبيات:

أيا هند هذا لا يليقُ بمسلمٍ
ومسلمةٌ في عصَمة الزوج فابعدي

أما تعلمي أن السَفاح محرّمٌ
فحولي عن الفحشاءِ والعيبِ وارتدي

بهذا نهى دين النبيِّ محمدٍ
فتوبي إلى مولاكِ يا هندُ ترشدي

ولكن هذه الكلمات لم تكفيها في وصف حبها له وأن العادات والتقاليد لا تقيلها ولكن بشر لم ييأس وبدأ يبعث مع جاريتها ليهديها، فكتب إليها:

إن الذي منع الزيارة فاعلمي
خوف الفساد عليك أن لا تعتدي

وأخافُ أن يهواكِ قلبي في الهوى
فأكون قد خالفتُ دينَ محمدِ

وعندما قرأت هذه الكلمات مرضت مرضًا شديدًا وكتب له:

أيا بشر ما أقسى فؤادَك في الهوى
ما هكذا الحبُ في مذهبِ الإسلامِ

إني بُليت وقد تجافاني الصفا
فارحم خضوعي ثم زد بسلامِ

ضاقت قراطيسُ التراسل بيننا
جفّ المدادُ وحفيت الأقلامُ

فرد عليها بشر بهذه الكلمات قائلاً:

لا والذي رفعَ السماءَ بأمره
ودحى بساط الأرض باستحكامِ

وهو الذي بعثَ النبي محمداً
بشريعة الإيمان والإسلامِ

لم أعصِ ربي في هواك وإنني
لمطهر من سائر الآثامِ

وبعدها أقسم أن لا يمر من بيت هند ولا حتى يقرأ لها رسالة، فكتب لها:

سألت ربي فقد أصبحتَ لي شجناً
أن تُبتلى بهوى من لا يُباليكا

حتى تذوقَ الذي ذقتُ من نَصَبٍ
وتطلب الوصل ممن لا يواتيكا

وتشتكي محنة في الحب نازلة
وتطلب الماء ممن ليس يسقيكَ

بلاك ربي بأمراض مسلسلةٍ
وبامتناع طبيب لا يداويكَ

ولا سروراً ولا يوماً ترى فرحاً
وكل ضرٍ من الرحمن يبليكَ

وعندما ترك بشر المرور من باب بيتها أرسلت إليه مكتوب تناشده فيه هذه الأبيات، فرد على الجارية: “لأمر ما لا أمر”، فقد عادت الجارية إلى السيدة هند بما قاله بشر فكتب إليه:

كفّر يمينك أن الذنبَ مغفورُ
وأعلم بأنك أن كفّرت مأجورُ

لا تطردنّ رسولي وارثينّ له
إن الرسولَ قليلُ الذنبِ مأمورُ

واعلم بأني أبيتُ الليلَ ساهرةً
ودمع عيني على خديَّ محدورُ

أدعوه باسمِكَ في كربٍ وفي تعبٍ
وانت لاهٍ قريرُ العين مسرورُ

وأما بالنسبة إلى هند فقد أصبحت بعده هذه القصيدة مولعة بحب بشر، فتقول بنفسها كيف أعيش إذا ابتعد عني؟ أما بالنسبة إلى بشر فقد خاف على نفسه من الفضيحة فذهب إلى الصحراء، وعندما أشد المرض على هند فوصل خبر مرضها إلى زوجها في المدينة فقرر أن يبعث لها طبيبًا من المدينة، فقالت هند لجارية أن تبعث لزوجها هذا المكتوب “لا تبعث إليّ طبيباً فإني عرفت دائي، قهرني جني في مغتسلي فقال لي: تحولي عن هذه الدار فليس لك في جوارنا خير”. فأجابها الزوج: ما أهون هذا فقالت: إني رأيت في منامي أن أسكن بطحاء تراب فقال: “اسكني بنا حيث شئت”.

فاتخذت هناك داراً على طريق بشر وجعلت تمضي الأيام في النظر إليه كل غداة إذا غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى برئت من مرضها وعادت إلى حسنها، فقال لها زوجها: “إني لأرجو أن يكون لك عند الله خير لما رأيت في منامك أن أسكني بطحاء تراب فاكثري من الدعاء”.

جلست هند في دار عجوز وشكت لها همها وما الذي في قلبها وأخبرتها أيضاً أنها خائفة أن يجد بشر مكانها، فقالت لها العجوز: لا تخافي! فقالت: “ليت ذاك قد كان” وعندما أرادت هند أن تذهب قالت:

ساعديني واكشفي عني الكروب
ثم نوحي عند نوحي ياجنوبْ

واندبي حظي ونوحي علناً
إن حاليَ بَعْده شيءٌ غريبْ

ما رأت مثلي زليخا يوسفٍ
لا ولا يعقوب بالحزنِ العجيبْ

انتظرت هذه العجوز بشر على باب البيته حتى أقبل فقالت له أريد منك أن تكتب رسالة إلى أبني في العراق وفي أثناء الحديث كانت هند تسمع كلامهما، فلما انتهت من الحديث معه فقالت له: أني أراك مسحورًا؟، فقال لها: ما الذي أعلمك؟، فقالت له: ما قلت لك إلا وأنا مقتنعة، فانصرف عني اليوم وسوف انظر في أمرك لاحقًا.

ثم دخلت إلى هند وبشّرتها قائلة: إني أراه فتى حدثاً ولا عهد له بالنساء ومتى ما أتى وزيّنتك وطيّبتك وأدخلتك عليه غلبت شهوته وهواه دينه. وفي مرة كانت قد اتفقت فيها مع هند، دعته لتنظر له نجمه فأدخلته إليها وأغلقت الباب عليهما فلم يشعر إلاّ والباب أقفل ووقفت أمامه حسناء كأنها البدر وقد ارتمت عليه وأخذته إليها وهي تقول:

يا بشر واصلني وكنْ بي لطيفاً
إني رأيتك بالكمالِ ظريفا

وانظر إلى جسمي وما قد حلّ بي
فتراه صار من الغرام نحيفا

فلما رأى العجوز علم ببراعته وذكاءه أنها هند التي هجر مقره من أجلها فتباعد عنها متعطفاً وأنشد متلطفاً:

ليس المليحُ بكاملٍ في حسنهِ
حتى يكونُ عن الحرامِ عفيفَا

فإذا تجنب عن معاصي ربه
فهنالك يدعى عاشقا وظريفا

وهنا جاء زوج هند على غير عادته فوجد عنها رجلًا غريبًا فعضب غضب شديدًا فطلقها وأخذ معه بشر وذهبا إلى رسول الله صلَّ الله عليه وسلم، وهناك بكى بشر أمام الرسول وحلف بأنه ما كذبه منذ صدقه وما كفر بالله منذ آمن به وبدأ يقص على النبي صلى الله عليه وسلم قصته، وهنا بعث النبي رسولًا من عنده إلى العجوز وهند، فقال: الحمدلله الذي جعل من قومي نظير “يوسف الصديق” وهنا بهذا الكلام أدب العجوز وأعاد هند إلى بيتها.

وبعد هذه الحادثة أنتظر بشر هند حتى تنتهي عدتها ليخطبها ولكن هي رفضت الزواج منه لأنه فضحها أمام النبي، فجاء الرسول عليه السلام إلى أهلها يعلمها بأنه طريح الفراش وقد يموت إذا لم ترضى به، فقالت: “أماته الله فطالما أمرضني”، فكتب له:

أرى القلب بعد الصبر أضحى مضيّعا
وأبقيت مالي في هواك مضيّعا

فلا تبخلي يا هندُ بالوصل وارحمي
أسير هوى بالحبِ صارَ مَضْيّعَا

فلما وصلتها الأبيات كتبت تحتها تقول:

أتطلب يا غدَّار وصلي بعدما
أسأت ووصلي منك أضحى مضيّعَا

ولما رجوتُ الوصلَ منك قطعته
وأسقيتني كأساً من الحزن مُتْرَعا

واخجلتني عند النبي محمد
فكادت عيوني أن تسيل وتطلعا

وزادت هذه الأبيات من حبه وأولعت نار الحب في قلبه وكتب إليها:

سلام الله من بعد البعاد
على الشمس المنيرةِ في البلادِ

سلام الله يا هندُ عليك
ورحمته إلى ييومِ التنادي

وحقِّ الله لا ينساك قلبي
إلى يوم القيامةِ يا مرادي

فرقّي وارحمي مضنى كَئيباً
فبشر صار ملقى في الوسادِ

فداوي سقمه بالقرب يوماً
فقلبي ذابَ من ألم البعادِ

لكن جرحها كان أكبر من أن تبلسمه الكلمات وفضيحتها كانت أوسع من أن تحصرها الزفرات فردت عليه تقول:

سلامُ الله من شمسِ البلادِ
على الصبَّ الموسد في المهادِ

فإن ترجُ الوصال وتشتهيه
فأنت من الوصالِ على بعادِ

فلست بنائلٍ منّي وصالاً
ولا يدنو بياضك من سوادي

ولا تبلغ مرادك من وصالي
إلى يوم القيامةِ والتنادي

فلما وصل إليه جوابها امتنع عن الطعام والشراب حتى اشتدت عليه مرضه وكانت له أخت تواسيه فطلب منها أن تحضر هند إليه، فلما علمت هند بأنه على آخر رمق من الحياة سارت معها إليه فوجدته يقول:

إلهي إني قد بُليت من الهوى
وأصبحتُ ياذا العرش في أشغل الشغلِ

أكابد نفساً قد تولّى بها الهوى
وقد ملّ إخواني وقد ملّني أهلي

وقد أيقنتْ نفسي بأني هالكٌ
بهندٍ وأني قد وهبتُ لها قتلي

وأني وإن كانت إلي مُسيئة
يشقُّ عليَّ أن تعذّب من أجلي

فبكت هند وبكى معها كل من كان حاضراً وأنشدت:

أيا بشر حالك قد فنى جسدي
وألهب النار في جسمي وفي كبدي

وفاض دمعي على الخدين منسكباً
وخانني الدهر فيكم وانقضى رشدي

ما كان قصدي بهذا الحال أنظركم
لا والذي خلقَ الإنسانَ من كمدِ

فلما سمع كلامها أنشد:

أيا هند إذا مرّت عليك جنازتي
فنوحي بحزنٍ ثم في النوح رنّمي

وقولي إذا مرّت عليك جنازتي
وشيري بعينيك عليَّ وسلّمي

وقولي رعاكَ اللهُ يا ميَّّتَ الهوى
وأسكنكَ الفردوسَ إن كنتَ مسلم

ثم شهق شهقة وفارقت روحه الدنيا فلما رأته ارتمت عليه وأنشدت:

أيا عينُ نوحي على بشر بتغرير
ألا ترويه من دمعي بتقديرِ

يا عينُ أبكي من بعد الدموعِ دماً
لأنه كان في الطاعات محبورِ

لفقدِ بشرٍ بكيتُ اليومَ من كمدٍ
لا خير في عيشةٍ تأتي بتكديرِ

ألقاك ربك في الجناتِ في غُرَفٍ
تلقى النعيم بها بالخير موفورِ

ثم ألقت بنفسها عليه وحركوها فإذا هي ميتة فغسلوهما ودفنوهما معاً.

المصدر: كتاب " في تاريخ الأدب العربي " إعداد شوقي ضيفكتاب " مجنون ليلى " تأليف أحمد شوقيكتاب " ديوان بشر الإسدي " تحقيق عزة حسنكتاب " ديوان بشر الإسدي " إعداد مجيد طراد


شارك المقالة: