قصة قصيدة “سلي يا عبلة الجبلين عنا”:
أمّا عن مناسبة قصيدة “سلي يا عبلة الجبلين عنا” فيروى بأن عنترة بن شداد كان يحب ابنة عمّه عبلة حبًا وصل لدرجة الهيام، وقد تقدم لأبيها لكي يتزوجها ولكن والدها منعها عنه، كونه عبدًا ذا بشرة سوداء، فكان حزن عنترة على فراقعبلة شديدًا، وهو الشاعر الرقيق الذي يخفض جناح الذل لمحبوبته، ويبكي على فراقها، ويتحسر على لقائها، فتارة ينشد:
دُموعٌ في الخُدودِ لَها مَسيلُ
وَعَينٌ نَومُها أَبَداً قَليلُ
وَصَبٌّ لا يَقَرُّ لَهُ قَرارٌ
وَلا يَسلو وَلَو طالَ الرَحيلُ
فَكَم أُبلى بِإِبعادٍ وَبَينٍ
وَتَشجيني المَنازِلُ وَالطُلولُ
وَكَم أَبكي عَلى إِلفٍ شَجاني
وَما يُغني البُكاءُ وَلا العَويلُ
تَلاقَينا فَما أَطفى التَلاقي
لَهيباً لا وَلا بَرَدَ الغَليلُ
طَلَبتُ مِنَ الزَمانِ صَفاءَ عَيشٍ
وَحَسبُكَ قَدرُ ما يُعطي البَخيلُ
وَها أَنا مَيِّتٌ إِن لَم يُعِنّي
عَلى أَسرِ الهَوى الصَبرُ الجَميلُ
وتارة ينشد:
لِمَن طَلَلٌ بِوادي الرَملِ بالي
مَحَت آثارَهُ ريحُ الشَمالِ
وَقَفتُ بِهِ وَدَمعي مِن جُفوني
يَفيضُ عَلى مَغانيهِ الخَوالي
أُسائِلُ عَن فَتاةِ بَني قُرادٍ
وَعَن أَترابِها ذاتِ الجَمالِ
وَكَيفَ يُجيبُني رَسمٌ مُحيلٌ
بَعيدٌ لا يُرَدُّ عَلى سُؤالي
إِذا صاحَ الغُرابُ بِهِ شَجاني
وَأَجرى أَدمُعي مِثلَ اللَآلي
وَأَخبَرَني بِأَصنافِ الرَزاي
وَبِالهُجرانِ مِن بَعدِ الوِصالِ
غُرابَ البَينِ ما لَكَ كُلَّ يَومٍ
تُعانِدُني وَقَد أَشغَلتَ بالي
كَأَنّي قَد ذَبَحتُ بِحَدِّ سَيفي
فِراخَكَ أَو قَنَصتُكَ بِالحِبالِ
وبعد العديد من المحاولات، وعده عمه بأن يزوجه من ابنته، ولكنّه وقع هو وعائلته كأسرى في أيدي فرسان طي، ولولا وصول عنتر وتدخله لكان من الممكن أن تتحول عبلة إلى مسبية في يد أحد هؤلاء الفرسان، وبالفعل عاد عنترة بجميع أفراد قبيلته، وأعاد كل ما سلبه الغزاة، وانتظر بعد ذلك أن يكافئه عمه على ما فعل، وأن يصدقه وعده، ولكنه وعد عمه له لم يرَ النور، فعندما عاد عمه من الأسر أخذ يتنصل من وعده له، ويماطل حتى قرر في النهاية أن يقوم بتزويج عبلة من أحد رجال بني عبس.
ولكنّ زواج عبلة، ومحاولاتهم لبناء السدود بينه وبينها، لم يزده إلّا عشقًا وحبًا لها، فظل يخاطبها وهي متزوجة، وقال فيها:
سَلي يا عَبلَةُ الجَبَلَينِ عَنّا
وَما لاقَت بَنو الأَعجامِ مِنّا
أَبَدنا جَمعَهُم لَمّا أَتَون
تَموجُ مَواكِبٌ إِنساً وَجِنّا
وَراموا أَكلَنا مِن غَيرِ جوعٍ
فَأَشبَعناهُمُ ضَرباً وَطَعنا
ضَرَبناهُم بِبيضٍ مُرهَفاتٍ
تَقُدُّ جُسومَهُم ظَهراً وَبَطنا
وَفَرَّقنا المَواكِبَ عَن نِساءٍ
يَزِدنَ عَلى نِساءِ الأَرضِ حُسنا
وَكَم مِن سَيِّدٍ أَضحى بِسَيفي
خَضيبَ الراحَتَينِ بِغَيرِ حِنّا
وَكَم بَطَلٍ تَرَكتُ نِساهُ تَبكي
يُرَدِّدنَ النُواحَ عَلَيهِ حُزنا