قصة قصيدة - في بيت أمي

اقرأ في هذا المقال


ما لا تعرف عن قصيدة “في بيت أمي”:

هذه القصيدة تحمل في عنوانها الكثير من المشاعر والحنين التي تملئ نفس الشاعر مثل: الحنين إلى الوطن، والحنين إلى أيام الطفولة والشباب وأيضاً الحنين إلى الأم، فعنوان القصيدة يؤكد على جمالية القصيدة وأنها ذات معانٍ سهبة وجذابه.

في بيت أُمِّي صورتي ترنو إليّ

بدأ الشاعر محمود درويش هذه القصيدة “في بيت أمي” وهذا يدل على أن بيت الأم هو النقطة المركزية فأول ما يجد الشاعر في بيت أمه هو صورة قديمة له معلقة على الحائط، فهذه الصورة تمثل ماضي محمود درويش الذي تركه في بلده وسافر، وهنا يبدأ الحوار حيث أن الصورة ترن عليه وتسأله مجموعة من الاسئلة وهي:

ولا تكفُّ عن السؤالِ:
أأنت، يا ضيفي، أنا؟

تظهر الصورة هنا أن الشاعر ضيفاً في بيت أمه وهنا إشارة للعتاب ويلوم نفسه الغياب الطويل، فالصورة لا تصف الشاعر ضيف ولا تقتصر على التساؤل فقد بل أنها تكف عن السؤال: “وكأنها تقول هل أنت ما زلت أنت؟، أم تغيرت؟، وهل بقيت نفس الشخص الذي في الصورة؟، وفهذا السؤال يدل على الحيرة التي وقع فيها محمود درويش فقد شعر نفسه أنه غريب عن بيت أمه وهذه الحيرة جعلته يبحث عن نفسه التي هي بالصورة لكي يجيب على جميع الاسئلة التي تدور في نفسه.

بعد ذلك نجد الشاعر يخاطبُ آخرَه الزمني بـ “كنتَ”، ولا يخاطب ذاته القريبة بـ “كنتُ”، حيث قال:

هل كنتَ في العشرين من عُمري،
بلانظَّارةٍ طبيةٍ، وبلا حقائب؟

الشاعر هنا طرح سؤال يعبر عن وجعه فهذا السؤال يضج بالحياة والشباب فعبارة “نظارة طبية” ترمز إلى أن الشاعر تقدم في العمر، من جهة أخرى ضعف نظره من كثرة البحث والتحرير.

اصطدم الشاعر بهذه الهالة والتي وضعتها الصورة في وجهه، وذلك بمقارنة ماكان عليه الشاعر وما أصبح عليه بعد أن كبر بالعمر، حيث عاش حياة مليئة بالأمل وهو في بلاد الغربة ينتقل من بلد إلى بلد مذ كان في العشرين من عمره وحتى وصل إلى عمره الآني وكله أمل بأن يعود في يوم من الأيام إلى بلده.

عندما ينظر إلى صورته وهو في سن العشرين، تتولد عند الشاعر أمنية وحيدة وهي العودة إلى حسن الجمال التي كان عليها من قبل وأن يبتعد عن الاغتراب والحزن حتى يصل إلى الأنا المحررة من النظارة والحقائب.

وفي المقطع هذا أنه يعاتب نفسة ويلومها وتظهر عنده الشوق للأيام التي كان يعيشها، قائلاً:

كان ثُقبٌ في جدار السور يكفي
كي تعلِّمك النجومُ هواية التحديق
في الأبديِّ…

وهنا في هذا المقطع تتضح نبرة العتاب، ويزيد ضجة العتاب في هذا المكان، وهنا يظهر حالة اللوم حيث أن الصورة تلوم الشاعر على أبتعاده ورحيله واستعجاله بالسفر، فقد كان عند محمود درويش مساحة واسعة من الأمل لكي يبقى صامدً قويًا في وطنه، ولكن محمود درويس استعجل في السفر لكي يبحث عن بقعة أمل لكي يخطو إلى أحلامه وعالمه.

وبدأ الشاعر بالتأمل في الأبدية من خلال النظر في النجوم، قائلاً:

ما الأبديُّ؟ قُلتُ مخاطباً نفسي

وهنا يتساءل سؤال يثير الدهشة والحيرة حيث يقول: ما هي الأبدي؟ فهنا يعبر عن شعوره يذهب إلى سؤال ويعود إلى سؤال.

ويا ضيفي… أأنتَ أنا كما كنا؟

عندما كرر الشاعر هذا السؤال يأكد أنه يبحث عن نفسه التي تركها ورحل.

فمَن منا تنصَّل من ملامحِهِ؟

وهنا يأتي السؤال على زيادة اللوم والعتاب وأيضاً يدل على تذكر نفسه القديمة لهذا الضيف الغريب، وهنا في الموقطع التالي يبحث عن سؤال ترك وراءه ماضيًا من الذكريات.

أتذكُرُ حافرَ الفَرَس الحرونِ على جبينكَ
أم مسحت الجُرحَ بالمكياج كي تبدو
وسيمَ الشكل في الكاميرا؟

وهنا يقوم الشاعر بنبش ماضيه، ويقوم بتذكر ذكرياته التي لا تنسى، فيتذكر كيف كان شكله قبل أن يبدأ بالسفر ويتغرب عن بلده وواحد من هذه الملامح هو أثر حافر في جبينه،ويتسائلهل مازال هذا الأثر موجود أم محته سنين الغربة، أم أني مسحته متعمدًا لكي أخفيه عن الكاميرات ومن أمام الناس، ويقول الشاعر بأنه قد انسلخ عن ماضيه وهو المسؤول عن ذلك.

أأنت أنا؟ أتذكُرُ قلبَكَ المثقوبَ
بالناي القديم وريشة العنقاء؟

في هذا المقطع من القصيدة يرمز الشاعر إلى رمزين مختلفة ومنها: كلمة (الناي) يرمز إلى الألم، وكلمة (العنقاء) يرمز إلى التجدد والانبعاث ويدل أيضاً على تجديد الحياة، ففي هذا المقطع تتزاحم نفسه بمشاعر الحزن والألم.

أم غيّرتَ قلبك عندما غيّرتَ دَربَكَ؟
يصل الحوار إلى ذروة اللوم والعتاب، ذروة التنكّر لهذا الضيف الغريب.
قلت: يا هذا، أنا هو أنت
يرد الشاعر على هذه الاتهامات، ويؤكد انتماءه لذاته.
لكني قفزتُ عن الجدار لكي أرى
ماذاسيحدث لو رآني الغيبُ أقطِفُ
من حدائقِهِ المُعلَّقة البنفسجَ باحترام

أنتقل محمود درويش من الواقع المؤلم الذي يرى ما يخبئ له الغيب وأيضاً لكي يذق مذاق الحرية، هنا استخدم كلمة “البنفسج” تدل على الراحة والأمل وأيضاً لتعديل الغضب وجلب النوم. وهنا محمود درويش يرد السلام والاستقرار.

محمود درويش يدافع عن هذه الرحلة لأنه قام فيها باحثًا عن الراحة والأمل بعيدًا عن متاعب الحياة والحزن داخل وطنه وهذه القصيدة مقياس عمق الهاوية فهي “عالم المجهول وعالم الغيب”.


شارك المقالة: