تعتبر المقولة العربية الخالدة “كن ابن من شئت واكتسب أدبا” من أبرز الأمثال التي تجسد قيمة العلم والأدب في حياة الإنسان، هذه المقولة البسيطة في صياغتها تحمل في طياتها معانٍ عميقة، وتدعو إلى التفكر والتأمل في طبيعة الإنسان وقيمته الحقيقية.
مناسبة قصيدة “كن ابن من شئت واكتسب أدبا”
أمّا عن مناسبة قصيدة “كن ابن من شئت واكتسب أدبا” فيروى بأنّ الحجاج بن يوسف الثقفي أمير العراق، في يوم أمر بعدم التجول بعد مغيب الشمس في المدينة، وأمر بضرب عنق كل من يمسك في هذا الوقت وهو في الشارع، وبينما كان الجنود يمشون في الشارع، وجدوا ثلاثة صبيان، فأمسكهم الجنود واقتادوهم إلى السجن، فأراد صاحب الشرطة بأن يعرف من هم هؤلاء الفتية قبل أن يتم تنفيذ حكم الوالي فيهم، وأمر بإحضارهم إليه، وعندما دخلوا عليه، قام عليهم، وسأل أحدهم: من أنت، حتى خالفت ما أمر به الحجاج؟
فقال الفتى الأول:
أنا ابن الذي دانت الرقاب له
ما بين مخـزومها وهاشــمها.
تأتي إليه الرقـاب صاغــرة
يأخذ من مـــالها ومن دمها.
فلم يقتله، وقال لعله أحد أقرباء الأمير الحجاج، ومن ثم سأل الثاني، فأجابه وقال له:
أنا ابن الـذي لا ينزل الدهر قدره
وإن نزلت يـــوماً فـسوف تعودُ.
ترى الناس أفواجاً إلى ضـوء ناره
فمنهم قيام حولـــها وقــعـودُ.
فعدل عن قتله، وقال: من الممكن أنّه ابن أجود العرب، ومن ثم سأل الثالث، فأجابه وقال:
أنا ابن الذي خاض الصفوف بعزمه
وقوّمها بالسيف حتى استقامتِ.
ركاباه لا تنفك رجلاه عنـــهما
إذا الخيل في يوم الكـــريهة ولّتِ.
فعدل عن قتله هو الآخر، وقال: لعله ابن أشجع العرب، وتركهم عنده حتى أتى الصباح، ومن ثم أمر أن يؤخذوا إلى الحجاج، فلما دخلوا على الحجاج، وأخبروه بما حصل، وبما قال الفتية، قام الحجاج بالكشف عن حالهم، وتبين بأن الأول ابن حجام، والثاني ابن فوّال، والثالث ابن حائك، فضحك الحجاج ممّا سمعه، وتعجب من فصاحة هؤلاء الفتية، والتفت إلى جلسائه، وقال لهم: فلتعلموا أولادكم على الفصاحة والأدب، فلولا فصاحة هؤلاء الفتية لضربت أعناقهم، ومن ثم أمر بأن يتم إطلاق سراح هؤلاء الفتية، وأنشد قائلًا:
كُن اِبنَ مَن شِئتَ واِكتَسِب أَدَباً
يُغنيكَ مَحمُودُهُ عَنِ النَسَبِ
فَلَيسَ يُغني الحَسيبُ نِسبَتَهُ
بِلا لِسانٍ لَهُ وَلا أَدَبِ
إِنَّ الفَتى مَن يُقولُ ها أَنا ذا
لَيسَ الفَتى مَن يُقولُ كانَ أَبي