قصة قصيدة “للذي ودنا المودة بالضعف”:
أمّا عن مناسبة قصيدة “للذي ودنا المودة بالضعف” فيروى بأنّ أحد أولاد سعيد بن العاص عشق جارية تغني في المدينة المنورة، فهام في حبّها، وبقي على ذلك مدّة طويلة من دون أن يبوح لها بذلك، وفي يوم قرّر أن يخبرها بحبه، وبالفعل في تلك الليلة ذهب إلى منزلها، وطرق على بابها، فخرجت عليه وقالت له: ما الذي أتى بك في هذا الوقت؟، فرد عليها، وقال لها: هل أنت من قلت؟:
أتجزون بالود المضاعف مثله
فإنّ الكريم من جزى الود بالود
فقالت له الجارية: نعم أنا التي قلت ذلك، بل وقلت أحسن منه، وأنشدت قائلة:
للذي ودنا المودة بالضعف
وفضل البادي به لا يجازى
لو بدا ما بنا لكم ملأ الأرض
وأقطار شامها والحجازا
وعندها قام الشاب بالاعتراف لها بحبه، لم تكن تحبه، فسكتت ولم تردّ على اعترافه بحبه لها، فعاد إلى بيته، ومرض مرضًا شديدًا، وأصبح طريح الفراش، وهزل جسمه، فقام أهل بيته بإحضار الأطباء ليعالجوه ممّا هو فيه، ولكن من دون جدوى، وفي يوم دخل عليه صديقه، وأقسم عليه أن يخبره بسبب ما فيه من سقم، فأخبره هذا الشاب.
فذهب صديقه من فوره إلى أهله، وأخبرهم، وذاع خبر حبّه لهذه الجارية، ووصل الخبر إلى أمير المدينة عمر بن عبد العزيز، فقام بشراء الجارية، وأهداها إلى هذا الشاب، فتزوجها ومكثت في بيته سنة، وفي يوم مرضت هذه الجارية، ففعل الشاب ما يستطيع لكي يجد لها علاج، فلم يترك طبيبًا ولا عرافًا إلّا وأحضره لها، ولكن لم يستطع أحد علاجها، وماتت ومن بعد أن ماتت، حزن عليها زوجها حزنًا شديًا، وساءت حالته، وبقي على هذه الحال شهرًا، وبعدها لحق بمحبوبته ومات.
وقال فيه أبو السائب المخزومي: إنّ حمزة سيد الشهداء، وإنّ هذا سيد العشاق، وقال لمن كانوا معه: هيا بنا نذهب إلى قبره وننحر عليه سبعين من البعير، كما كبّر النبي صل الله عليه وسلم على قبر حمزة سبعين تكبيرة، وعندما بلغ خبر ذلك إلى أبي الحزم، قال فيه: ما من محب في الله يبلغ هذا إلّا ولي.