قصة قصيدة “ما إن رأيت ولا سمعت بمثله”:
أمّا عن مناسبة قصيدة “ما إن رأيت ولا سمعت بمثله” فيروى بأنّه في يوم خرج دريد بن الصمة الجشمي الهوازني على رأس جماعة من جشم وهم من قبيلة هوازن القيسية، وكانوا يريدون أن يغيروا على بني فراس وهم من قبيلة كنانة، وساروا في طريقهم حتى وصلوا إلى وادٍ لبني كنانة، وبينما هم هنالك رأوا أحد الرجال على الناحية الأخرى من الوادي، وكان معه ناقة، عليها امرأة، وعندها قال دريد بن الصمة لأحد رجاله: صح بهذا الرجل أن يترك المرأة وينجو بنفسه، فذهب الفارس على هذا الرجل، وسأله قائلًا: من أنت؟، فردّ عليه الرجل قائلًا: ربيعة بن مكدم الكناني، فألح عليه بأن يترك الناقة والمرأة ويغادر، فرفض، ورمى زمام ناقته وأنشد قائلًا:
سيرى على رسلك سير الآمن
سير رداح ذات جأش ساكن
إن انثنائي دون قرني شائني
أبلى بلائي وأخبري وعايني
ومن ثم قام ربيعة بقتل الفارس، وأخذ حصانه، فقام دريد ببعث فارس آخر في طلب أخيه الذي سبقه، وعندما وصل ورأى ما حصل لصاحبه، صاح بربيعة، فتغاضى ربيعة عنه وكأنّه لم يسمعه، فلحق الفارس به، فقام ربيعة بإعطاء زمام ناقته إلى المرأة، وخرج إليه وهو يقول:
خل سبيل الحرة المنيعه
إنّك لاق دونها ربيعه
في كفه خطية مطيعه
أولا فخدها طعنة سريعه
والطّعن مني في الوغى شريعة
ثم قام بقتله، وعندما تأخر الفارس الثاني، قام دريد بإرسال فارس آخر، وعندما وصل الفارس رأى رفيقيه ميتين، ونظر إلى ربيعة فإذ به يقود ناقته ويجر رمحه من خلفه، فقال له: خل عنك امرأتك، فقال ربيعة لها: عودي إلى الديار، ومن ثم أقبل على الفارس وقال له:
ماذا تريد من شتيم عابس
ألم تر الفارس بعد الفارس
أرداهما عامل رمح يابس
ثم قتله وكسر رمحه وهو يفعل ذلك، وعندما لم يعد الفرسان الثلاثة ارتاب دريد، وظن أنهم قتلوا الرجل وأخذوا منه زوجته، فلحق بهم، وعندما رأى أصحابه قد قتلوا، قال لربيعة: أيها الفارس، إن الذي مثلك لا يُقتل، فخذ رمحي، و أنا سوف أعود إلى أصحابي وأمنعهم عنك، فانصرف دريد وعاد إلى أصحابه، وقال لهم: إن الفارس قد قتل أصحابكم وهو يدافع عن زوجته، وانتزع مني رمحي، ولن تقدروا عليه إن لحقتوا به، فانصرفوا، وقال دريد في ربيعة:
ما إن رأيت ولا سمعت بمثله
حامي الظعينة فارسا لم يقتل
أردى فوارس لم يكونوا نهزة
ثم استمر كأنه لم يفعل
متهللا تبدو أسرة وجهه
مثل الحسام جلته كف الصيقل
يزجي ظعينته ويسحب رمحه
متوجها يمناه نحو المنزل
وترى الفوارس من مهابة رمحه
مثل البغاث خشين وقع الأجدل
يا ليت شعري من أبوه وأمه
يا صاح من يَكُ مثله لا يجهل
فرد عليه ربيعة بن مكدم قائلا:
إن كان ينفعك اليقين فسائلي
عني الظعينة يوم وادي الأخرم
إذ هي لأول من أتاها نهبة
لولا طعان ربيعة بن مكدم
إذ قال لي أدنى الفوارس منهم
خل الظعينة طائعا لا تندم
فصرفت راحلة الظعينة نحوه
عمداً ليعلم بعض ما لم يعلم
وهتكت بالرمح الطويل إهابه
فهوى صريعا لليدين وللفم
ومنحت آخر بعده جياشة
نجلاء فاغرة كشدق الأَضجم
ولقد شفعتهما بآخر ثالث
وأبى الفرار عن العداة تكرُّمي