مناسبة قصيدة “نصل السيوف إذا قصرن بخطونا”:
أمّا عن مناسبة قصيدة “نصل السيوف إذا قصرن بخطونا” فيروى بأنه في يوم قام بعض جلساء أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان بوصف جارية لرجل من الأنصار له، وكانت هذه الجارية ذات أدب وجمال، فبعث الخليفة لصاحب الجارية يساومه في ابتياعها، فرفض الرجل، ورفضت الجارية، وقالت: إنّي لا أحتاج إلى الخلافة ولا أرغب في الخليفة، والذي أنا فيه أحب إلى قلبي من الأرض وكل ما فيها، فعاد من بعثهم أمير المؤمنين إليه وأخبروه برفضهم وبما قالت الجارية، فزاد رغبة بالحصول عليها، وضاعف الثمن الذي دفعه فيها، وأخذ الجارية غصبًا، فلم يعجب بشيء كما أعجب بها.
وعندما وصلت الجارية إلى قصر عبد الملك بن مروان، وصارت بين يديه، أمرها بأن تلزم مجلسه، وأن تقوم على خدمته، وفي يوم وبينما كانت في مجلسه، وكان معه ابناه سليمان والوليد، وكانا يذاكران، أقبل عليهما وقال لهما: أي بيت ممّا قالته العرب أمدح؟، فقال له ابنه الوليد: قول الجرير فيك:
أَلَستُم خَيرَ مَن رَكِبَ المَطايا
وَأَندى العالَمينَ بُطونَ راحِ
ثم قال سليمان: بل قول الأخطل:
شُمسُ العَداوَةِ حَتّى يُستَقادَ لَهُم
وَأَعظَمُ الناسِ أَحلامًا إِذا قَدَروا
فوقفت الجارية وقالت: بل أمدح منهما ماقال حسان بن ثابت رضي الله عنه:فقالت الجارية:
يُغشونَ حتَّى ما تهِرُّ كلابُهُمْ
لا يسألونَ عنِ السَّواد المُقبِلِ
بِيضُ الوُجُوهِ كريمةُ أحسابُهُم
شُمُّ الأُنُوفِ من الطِّرازِ الأوَّلِ
ومن ثم سألهم عبد الملك بن مروان وقال: أي بيت ممّا قالت العرب أرق؟، فقال الوليد: قول الجرير:
إِنَّ العُيونَ الَّتي في طَرفِها حَوَرٌ
قَتَلنَنا ثُمَّ لَم يُحيِينَ قَتلانا
ثم قال سليمان: بل قول عمر بن أبي ربيعة:
حَبَّذا رَجْعُها إلَيها يَدَيْها
فِي يَدَيْ دِرْعِها تَحُلُّ الإِزارَا
فقالت الجارية: بل قول حسان بن ثابت رضي الله عنه:
لو يَدبّ الحَوليُّ مِن وَلَد الذَّرِّ
عليها، لأَندَبَتْها الكُلُومُ
ومن ثم سألهم أمير المؤمنين، وقال: أي بيت ممّا قالت العرب أشجع؟، فقال الوليد:
إِذ يَتَّقونَ بِيَ الأَسِنَّةَ لَم أَخِمْ
عَنها، وَلَكِنّي تَضايَقَ مُقدَمي
ومن ثم قال سليمان: بل قوله:
وأنا المَنية ُ حِينَ تشتجرُ القَنا
والطَعنُ مِنِّي سَابِقُ الآجالِ
فقالت الجارية: بل بيت كعب بن مالك رضي الله عنه، حيث قال:
نَصِل السِيُوفَ إذا قَصُرن بخَطوِنَا
قِدمًا ونُلحِقها إذا لم تَلحَقِ
فقال لها أمير المؤمنين: أحسنت قولًا، وما أرى أبلغ في الإحسان من أن نردك إلى أهلك، فأحسن كسوتها، وأعادها إلى أهلها.