قصة قصيدة “هاج الهوى لفؤادك المهتاج”:
أمّا عن مناسبة قصيدة “هاج الهوى لفؤادك المهتاج” فيروى بأنّه في يوم مر راكبًا من اليمامة على الفرزدق، وكان الفرزدق جالسًا أمام بيته، فاستأذن الرجل الفرزدق للجلوس، فأذن له، وعندما جلس الرجل، قال له الفرزدق، سائلًا: من أين أتيت؟، فقال له الرجل: لقد أتيت من اليمامة، فقال له الفرزدق: هل سمعت بابن المراغة؟، فقال له الرجل: بلى، إنّي أعرفه حق المعرفة، فقال له الفرزدق: وهل أحدث من بعدي شيء؟، فرد عليه الرجل وقال: نعم، فقال له الفرزدق: هات شيئًا من شعره، فأنشده الرجل قائلًا:
هاجَ الهَوى لِفُؤادِكَ المُهتاجِ
فأكمل الفرزدق قائلًا:
فَاِنظُر بِتوضِحَ باكِرَ الأَحداجِ
فقال الرجل:
هذا هَوىً شَغَفَ الفُؤادَ مُبَرِّحٌ
فأكمل الفرزدق قائلًا:
وَنَوىً تَقاذَفُ غَيرُ ذاتِ خِلاجِ
فقال الرجل:
إِنَّ الغُرابَ بِما كَرِهتَ لَمولَعٌ
فأكمل الفرزدق قائلًا:
بِنَوى الأَحِبَّةِ دائِمُ التَشحاجِ
فقال الرجل:
لَيتَ الغُرابَ غَداةَ يَنعَبُ بِالنَوى
فأكمل الفرزدق قائلًا:
كانَ الغُرابُ مُقَطَّعَ الأَوداجِ
فقال الرجل:
وَلَقَد عَلِمتَ بِأَنَّ سِرَّكَ عِندَنا
فأكمل الفرزدق قائلًا:
بَينَ الجَوانِحِ موثَقُ الأَشراجِ
فقال الرجل:
وَلَقَد رَمَينَكَ حينَ رُحنَ بِأَعيُنٍ
فأكمل الفرزدق قائلًا:
يَنظُرنَ مِن خَلَلِ السُتورِ سَواجي
فقال الرجل:
وَبِمَنطِقٍ شَعَفَ الفُؤادَ كَأَنَّهُ
فأكمل الفرزدق قائلًا:
عَسَلٌ يَجُدنَ بِهِ بِغَيرِ مِزاجِ
فقال الرجل:
قُل لِلجَبانِ إِذا تَأَخَّرَ سَرجُهُ
فرد عليه الفرزدق قائلًا:
هَل أَنتَ مِن شَرَكِ المَنِيَّةِ ناجي
فقال له الرجل: والله هكذا قال، إنّك ولا بدّ قد سمعتها من غيري، فاصدقني القول بالله عليك، هل سمعتها من قبل؟، فقال له الفرزدق: لا والله ولكن هكذا ينبغي أن تقال، ألم تعلم أنّ شيطاننا أنا وهو واحد، ومن ثم قال للرجل: أمدح في هذه القصيدة الحجاج؟، فقال له الرجل: نعم، فقال الفرزدق: إنّه بها إياه أراد، ومن ثم أنشد قائلًا:
لَقَد ضَرَبَ الحَجّاجُ ضَربَةَ حازِمٍ
كَبا جُندُ إِبليسٍ لَها وَتَضَعضَعوا
أَضاءَ لَها ما بَينَ شَرقٍ وَمَغرِبٍ
بِنورٍ مُضيءٍ وَالأَسِنَّةُ شُرَّعُ
وَخَرَّت شَياطينُ البِلادِ كَأَنَّها
مَخافَةَ أُخرى في الأَزِمَّةِ خُضَّعُ
فَلَم يَدَعِ الحَجّاجُ مِن ذي عَداوَةٍ
مِنَ الناسِ إِلّا يَستَكينُ وَيَضرَعُ
إِذا حارَبَ الحَجّاجُ أَيَّ مُنافِقٍ
عَلاهُ بِسَيفٍ كُلَّما هُزَّ يَقطَعُ
َ