قصيدة - يا سائلي‌ أين حل الجود والكرم

اقرأ في هذا المقال


قصة قصيدة “يا سائلي‌ أين حل الجود والكرم”:

وأمّا عن مناسبة قصيدة “يا سائلي‌ أين حل الجود والكرم” فيروى بأنّه عندما كان زين العابدين مايزال صبيًا صغيرًا، قتل أباه الحسين بن علي بن أبي طالب في معركة كربلاء على يد عبيد بن زياد، وكان وقتها زين العابدين يعاني من حمى فلم يقتله عبيد بن زياد مع الذين قتلهم من آل الحسين، وكان زين العابدين عابدًا زاهدًا، وقد عرف بالسجاد لكثرة صلاته، وكان كثير الصدقات، وكان محبوبًا بين الناس.

وبينما كان هشام بن عبد الملك يؤدِّي الحج في الحرم المكي، وكان معه الفرزدق، فأراد هشام أن يرد على الحجر الأسود، ولكنّه لم يستطع ذلك بسبب تزاحم الناس، فأحضر له أتباعه كرسيًا يجلس عليه حتى يقل عدد الناس ويستطيع وقتها أن يرد على الحجر الأسود، وبينما هو جالس ينتظر، أقبل زين العابدين فتحاجز عنه الناس ووسعوا له حتى وصل إلى الحجر الأسود، فقال أحد الذين كانوا مع هشام بن عبد الملك: من هذا الذي وسّع له الناس وتحاجزوا عنه، فقال هشام بن عبد الملك: لا أعرفه، على الرغم من معرفته أنّه زين العابدين، ولكنّه لم يرد أن يعظم في قلوب أصحابه، وكان الفرزدق منهم، فقال: ولكن أنا أعرفه، وأنشد يقول:

يَا سَائِلِي‌ أَيْنَ حَلَّ الجُودُ وَالكَرَمُ
عِنْدِي‌ بَيَانٌ إذَا طُلاَّبُهُ قَدِمُوا

هَذَا الذي‌ تَعْرِفُ البَطْحَاءُ وَطْأَتَهُ
وَالبَيْتُ يَعْرِفُهُ وَالحِلُّ وَالحَرَمُ

هَذَا ابْنُ خَيْرِ عِبَادِ اللَهِ كُلِّهِمُ
هَذَا التَّقِي‌ُّ النَّقِي‌ُّ الطَّاهِرُ العَلَمُ

هَذَا الذي‌ أحْمَدُ المُخْتَارُ وَالِدُهُ
صَلَّي‌ عَلَیهِ إلَهِي‌ مَا جَرَي‌ القَلَمُ

لَوْ يَعْلَمُ الرُّكْنُ مَنْ قَدْ جَاءَ يَلْثِمُهُ
لَخَرَّ يَلْثِمُ مِنْهُ مَا وَطَي‌ القَدَمُ

هَذَا علی رَسُولُ اللَهِ وَالِدُهُ
أَمْسَتْ بِنُورِ هُدَاهُ تَهْتَدِي‌ الاُمَمُ

هَذَا الَّذِي‌ عَمُّهُ الطَّيَّارُ جَعْفَرٌ
وَالمَقْتُولُ حَمْزَةُ لَيْثٌ حُبُّهُ قَسَمُ

هَذَا ابْنُ سَيِّدَةِ النِّسْوَانِ فَاطِمَةٍ
وَابْنُ الوَصِيِّ الَّذِي‌ في‌ سَيْفِهِ نِقَمُ

إذَا رَأتْهُ قُرَيْشٌ قَالَ قَائِلُهَا
إلَی‌ مَكَارِمِ هَذَا يَنْتَهِي‌ الكَرَمُ

يَكَادُ يُمْسِكُهُ عِرْفَانَ راحته
رُكْنُ الحَطِيمِ إذَا مَا جَاءَ يَسْتَلِمُ

وَلَيْسَ قُولُكَ: مَنْ هَذَا؟ بِضَائِرِهِ
العُرْبُ تَعْرِفُ مَنْ أنْكَرْتَ وَالعَجَمُ

يُنْمَي‌ إلَی‌ ذَرْوَةِ العِزِّ الَّتِي‌ قَصُرَتْ
عَنْ نَيْلِهَا عَرَبُ الإسْلاَمِ وَالعَجَمُ

وبعد أن أنهى الفرزدق قصيدته غضب هشام بن عبد الملك منه غضبًا شديدًا، وقال له: قل فينا مثلما قلت فيه، فقال له الفرزدق: هل عندك جد كجده وأبًا كأباه وأمّاً كأمه لأقول فيك كما قلت فيه، فغضب الأمير منه ومنعه عن إكمال الحج، وأمر بأن يحبس فحبسوه.

وعندما وصل خبر ما حدث إلى زين العابدين، بعث إلى الفرزدق باثني عشر ألف درهم، وقال له: فلتعذرني يا أبا فراس، فلو كان معي أكثر لدفعته لك، فرفض الفرزدق أن يأخذ المال ورده إليه، وقال له: لقد قلت ما قلت غضبًا لله ورسوله، ولم أكن لأقبل أن أُجزى عليه، فقام زين العابدين بردها إليه: بالله عليك أن تأخذها، نحن أهل البيت لا يرد إلينا ما أعطينا، وبقي في السجن برهة من الزمن حتى أنشد يهجو هشام بن عبد الملك، وقال:

أيحبسني بين المدينة و التي
إليها قلوب الناس تهوي منيبها

يقلب رأساً لم يكن رأس سيد
وعيناً له حولاء باد عيوبها

وعندما وصل شعره إلى هشام أمر بإخراجه من السجن خوفًا من شعره.


شارك المقالة: