الإنسان مهما صال وجال في هذه الحياة واختلط مع أشخاص عديدة ضمن المجتمع، فإنه يُبقى تصرفاته وحدود تفكيره محصوراً في إطار نطاقه ومحيطه الضيق، وكما ينطبق هذا المثل على الأشخاص فإنه ينطبق على سياسات المجتمع والشعوب.
دلالة مثل “كل إناء بما فيه ينضح”:
تتأثر الشعوب التي لديها مصالح مشتركة لحد كبير بهذا المثل، ففي أغلب الأحيان يكون ذلك التأثير سلبي على مدار الزمن؛ لأنها تؤثر على الأجيال القادمة بالإضافة إلى تأثيرها على المتسبب نفسه، ومن هذا استنتج الفقهاء لماذا لا يضع المجتمعات والأشخاص في إنائهم إلا الخير؛ وذلك حتى لا ينضحوا إلا بالخير لغيرهم، ومن ثم يعود عليهم.
إذ ليس من المنطق أن نتوقع الحكمة ممن يتهور بأفعاله وتصرفاته وأقواله، ولا نتوقع الشجاعة من الجبان ولا الكرم من البخيل، وقد تردد المثل على لسان الكثير من الشعراء وأول من نظمه من الشعراء أبو الفواس سعد بن محمد بن سعد التميمي الملقب “شهاب الدين” والمعروف “حيص بيص” فقال فيه:
ملكنا فكان العفو منا سجية
فلما ملكتم سال بالدم أبطع
وحللتم قتل الأسارى وطالما
غدونا عن الأسرى نعف ونصفح
فحسبكم هذا التفاوت بيننا
وكل إناء بالذي فيه ينضح.
قصة مثل “كل إناء بما فيه ينضح”:
يذكر في قديم الزمان أن كان هناك ثلاثة أشخاص يمشون سوياً في طريق، فرأوا شخصاً يقوم بحفر بئر على جانب الطريق، فقال الشخص الأول: شاهدوا هذا الرجل إنه يحفر حفرة على جنب الطريق فقد يكون قتل شخص ما وأراد أن يدفنه في هذه الحفرة حتى لا يراه أحد.
أما الشخص الثاني فقال: لا لابد أنه ليس بقاتل وإنما هو شخص لا يعطي ثقته لأي أحد فقام بإحضار ماله وأراد أن يخفيه في تلك الحفرة، أما الشخص الثالث فقال: لا هذا ولا هذاك إنما هذا الشخص شخص طيب ومسكين أراد أن يحفر بئر للمياه فجاء وحفر تلك الحفرة.
فنستنتج من تلك القصة أن كل إنسان يتوقع ما يقوم به الناس من أفعال حسب تفكيره، فيرى الفعل السيء والفعل الجيد حسب فرضياته وتوقعاته الناجمة عن مجتمعه الذي ينخرط به، ومن هنا جاء هذا المثل.