المعنى الحقيقي للحرية :
الحرية بالمعنى الصحيح، هي فطرةٌ إنسانية، وأشواق روحيةٌ، وواجب شرعي، الحرية بمعناها المُقابل للعبودية لغير الله تعالى، وليست الحرية المُرادفة للفوضى والعبثية.
إنّ الحُرية لها علاقة مع التكليف لهذا الإنسان، قال تعالى: ﴿هَلۡ أَتَىٰ عَلَى ٱلۡإِنسَـٰنِ حِینࣱ مِّنَ ٱلدَّهۡرِ لَمۡ یَكُن شَیۡـࣰٔا مَّذۡكُورًا (١) إِنَّا خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَـٰنَ مِن نُّطۡفَةٍ أَمۡشَاجࣲ نَّبۡتَلِیهِ فَجَعَلۡنَـٰهُ سَمِیعَۢا بَصِیرًا (٢)﴾ صدق الله العظيم[الإنسان ١-٢]، وقال تعالى: ﴿لَاۤ إِكۡرَاهَ فِی ٱلدِّینِۖ قَد تَّبَیَّنَ ٱلرُّشۡدُ مِنَ ٱلۡغَیِّۚ فَمَن یَكۡفُرۡ بِٱلطَّـٰغُوتِ وَیُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسۡتَمۡسَكَ بِٱلۡعُرۡوَةِ ٱلۡوُثۡقَىٰ لَا ٱنفِصَامَ لَهَاۗ وَٱللَّهُ سَمِیعٌ عَلِیمٌ﴾ [البقرة ٢٥٦].
إن التعصب ( أعورٌ دجالٌ) يطفىء عين المُحب عن الأخطاء فلا يراها، ويطفىء عين الكاره عن الحسنات فلا يراها، ونعوذ بالله من كل أعورٍ دجَّال، ورحم الله الإمام الشافعي عندما يقول:
وَعَينُ الرِضا عَن كُلِّ عَيبٍ كَليلَةٌ
وَلَكِنَّ عَينَ السُخطِ تُبدي المَساوِيا
وَلَستُ بِهَيّابٍ لِمَن لا يَهابُني
وَلَستُ أَرى لِلمَرءِ ما لا يَرى لِيا.
وهذا لا يختص بالأشخاص، بل هناك أفكار تأخذ صاحبها ومُعتنقها كأسرى حرب، فيظل في شَركِها لا يبرحها، وينظر للعالم من خلالها، ولا يسمع لنفسه باختبارها أو تطويرها، هذه أفكار انتهكت حرية الإنسان ولكن ليس على وجه القوة والغلبة، بل على وجه التستر والخُفية.
وللحرية واضحٌ بيّن، ولكن هناك لصوصٌ أخفياء يسرقون الحرية دون أن يشعر صاحبها، ومن هؤلاء اللصوص: الجمهور المُحب؛ فإنّه يجعل الرمز والمشهور في سجنِ قضبانه من حرير، فيفقد الإنسان حريته مراعاة لهذا الجمهور المُبالغ في حُبه، وكم تمرد بعض الشرفاء على قيود الطُغاة واستبدادهم، ثم عجزوا أمام جمهورهم، وكما قيل: حُبُّكَ الشيءَ يُعْمي ويُصِمّ، وقال تعالى: ﴿وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِیثَـٰقَكُمۡ وَرَفَعۡنَا فَوۡقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُوا۟ مَاۤ ءَاتَیۡنَـٰكُم بِقُوَّةࣲ وَٱسۡمَعُوا۟ۖ قَالُوا۟ سَمِعۡنَا وَعَصَیۡنَا وَأُشۡرِبُوا۟ فِی قُلُوبِهِمُ ٱلۡعِجۡلَ بِكُفۡرِهِمۡۚ قُلۡ بِئۡسَمَا یَأۡمُرُكُم بِهِۦۤ إِیمَـٰنُكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِینَ﴾ [البقرة ٩٣]
بعض النجاحات تسرق الحرية، وهذا من المسالك الخفية لسرقة الحرية! فما لم يُغادر الإنسان السابق ويشرع في نجاح جديد، فسيغدوا أسير نجاحه السابق لا يُحسن أن يغادره، حتى تتحول حياته إلى حديث مكرر عن ذلك النجاح.
والمُبالغة في الحب أو الكرة سجنٌ آخر يسلب الحرية دون أن يشعر بها صاحبها؛ فالمبالغ في الحب ( تابع)، ينتظر الفعل حتى يخالفه، والمُعتدل في حبه وكرهه حرٌ مُستقل يصنع الفعلَ ويبني الرأي بعيداً عن الاستلاب لردة الفعل، وفي قول سيدنا علي بن أبي طالب: أحبب حبيبك هونا ما عسى أن يكون بغيضك يوماً ما و أبغض بغيضك هونا ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما.