قال تعالى: ﴿وَأَنزَلۡنَاۤ إِلَیۡكَ ٱلۡكِتَـٰبَ بِٱلۡحَقِّ مُصَدِّقࣰا لِّمَا بَیۡنَ یَدَیۡهِ مِنَ ٱلۡكِتَـٰبِ وَمُهَیۡمِنًا عَلَیۡهِۖ فَٱحۡكُم بَیۡنَهُم بِمَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُۖ وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَاۤءَهُمۡ عَمَّا جَاۤءَكَ مِنَ ٱلۡحَقِّۚ لِكُلࣲّ جَعَلۡنَا مِنكُمۡ شِرۡعَةࣰ وَمِنۡهَاجࣰاۚ وَلَوۡ شَاۤءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمۡ أُمَّةࣰ وَ ٰحِدَةࣰ وَلَـٰكِن لِّیَبۡلُوَكُمۡ فِی مَاۤ ءَاتَىٰكُمۡۖ فَٱسۡتَبِقُوا۟ ٱلۡخَیۡرَ ٰتِۚ إِلَى ٱللَّهِ مَرۡجِعُكُمۡ جَمِیعࣰا فَیُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ فِیهِ تَخۡتَلِفُونَ﴾ صدق الله العظيم[المائدة ٤٨]
ففي هذه الآية تبرز أهم قواعد المنهج الصحيح الذي يتبع كتاب الله تعالى، المُهيمن على كلِ ما سواه أو طريقة أو منهج؛ ثم بيان وحكم رسول الله عليه الصلاة والسلام بما أراه الله سبحانه؛ مُخالفاً أهواء المضلين.
كل ذلك في اختبار رباني دقيق لاتباع منهج الحق ودربه يتبين به أهل الحق من أهل الباطل بغيرِ لبس ولا تردد، قال تعالى: (لِكُلࣲّ جَعَلۡنَا مِنكُمۡ شِرۡعَةࣰ وَمِنۡهَاجࣰاۚ)، قال في الكشاف: (وَمِنۡهَاجࣰاۚ) أي وطريقاً واضحاً في الدين يتجرون عليه.
وعند القرطبي: وقال أبو العباس محمد بن يزيد: الشريعة ابتداء الطريق، والمنهاج الطريق المستمر، روي عن ابن عباس والحسن وغيرهما “شرعة ومنهاجا” سنة وسبيلا.
فقد طلبت الشريعة بالمحافظة والتمسك بالهوية، والتمسك بقواعدها، وترك كل ما يشوش على عقيدتها وهويتها، فالآية تؤكد أن الشريعة واحدة، فهي مُهمينة على باقي الرسالات، وهي تؤكد علاقتها مع مناهج الرسل، فقوله تعالى: (ومهيمنا عليه) أي عاليا عليها ومرتفعاً، كما الجمهور.
وعن ابن عباس: المهيمن: الأمين، قال: القرآن أمين على كل كتاب قبله، فقوله تعالى: ﴿وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ﴾ أي: لا تعمل بأهوائهم وعما كانوا عليه من الضلال، واترك أحكامهم.، وتمسك لما جاءك من الحق.
وقال جمهور المفسرين: والخطاب للأمم الثلاث: أمة موسى، وعيسى، وأمة محمد، فللتوراة شريعة، وللإنجيل شريعة، وللفرقان شريعة يحل الله فيها ما يشاء، ويحرم ما يشاء بلاء، ليعلم من يطيعه ممّن يعصيه، ولكن الدين الواحد الذي لا يقبل غيره، التوحيد والإخلاص لله الذي جاءت به الرسل.
ثم قال تعالى: ﴿ولَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكم أُمَّةً واحِدَةً﴾ صدق الله العظيم، أي لو شاء الله لجعل جميع الأمم على دين واحد، وعلى الحق دون اختلاف، في جميع الأزمان.
سبب النزول:
ذكر أهل التفسير: أن جماعة من اليهود قالوا: تعالوا نذهب إلى محمد صلى الله عليه وسلم لعلنا نفتنه عن دينه، ثم دخلوا عليه وقالوا: يا محمد قد عرفت أنا أحبار اليهود وأشرافهم، وإنا إن اتبعناك اتبعك كل اليهود، وإن بيننا وبين خصومنا حكومة فنحاكمهم إليك، فاقض لنا ونحن نؤمن بك، فأنزل الله تعالى هذه الآية» .
ثم قال تعالى: (وَٱحۡذَرۡهُمۡ أَن یَفۡتِنُوكَ) حذر الله نبيه الكريم من أن ينفتن بهم أو أن يعدل عن الطريق والمنهج الصحيح ، والخطاب لأمته، لأنّه صلى الله عليه وسلمك معصوم، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دعاءه : «أعوذ بك من فتنة المحيا».
ثم قال تعالى (وَإِنَّ كَثِیرࣰا مِّنَ ٱلنَّاسِ لَفَـٰسِقُونَ (٤٩)) أي: الكثير من الناس متمردون على منهج الله، معتدون على دين الله، متولون عن أحكامه، كما قال تعالى: ﴿وَمَاۤ أَكۡثَرُ ٱلنَّاسِ وَلَوۡ حَرَصۡتَ بِمُؤۡمِنِینَ﴾ [يوسف ١٠٣]