صاحب المقولة
سعد بن معاذ بن النُّعمان بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل؛ كان سيّداً لقبيلة الأوس قبل هجرة النبي محمد_ صلى الله عليه وسلم _، إليها. كان رجلاً أبيضاً، طويلاً، جميلاً، حَسن الوَجه، واسع العَينين، حَسَن اللِّحية.
أسلم سعد على يَدِ الصحابي” مصعب بن عُمير”، أول سفير في الإسلام؛ والذي أرسله النبي محمد_ صلى الله عليه وسلم _، إلى يَثرب( المدينة المنورة)، ليدعوا أهلها إلى الإسلام بعد بيعة العَقَبة الأولى.
لمَّا أسلَم سعد، وقف على قومه، فقال:« يا بني عبد الأشهَل، كيف تعلمون أمري فيكم؟»، قالوا:« سَيّدنا فضلاً، وأيمَننَا نَقِيبةً»، قال:« فإنَّ كَلامَكم عليَّ حرام، رِجالكم ونساؤكم، حتى تؤمنوا بالله ورسوله»، فما بقي في دُور بني عبد الأشهل رجل ولا امرأة إلّا وأسلموا.
وقد أصبحت دَارهُ مَقرّاً لمصعب بن عمير، وأسعد بن زُرَارة، يَدعُوان أهل يثرب فيها إلى الإسلام. وكان سعد بن معاذ ومعه أُسيد بن حُضَير؛ من تَولّى كسر أصنام بني عبد الأشهل.
وبعد هجرة النبي_ صلى الله عليه وسلم _، آخَى بينه وبين أبي عبيدة عامر بن الجرّاح، وقيل بينه وبين سعد بن أبي وقاص.
قصة المقولة
شَهِد سَعد مع النبي، غزوة بدر، وأُحد، والخندق؛ وحين استشار النبي_ صلى الله عليه وسلم _، أصحابَهُ قبل معركة بدر، تَكلَّمَ أبو بكر، وعُمر؛ ثُمَّ أعادَ النبي قولَهُ، فقال: أشيرُوا عليّ، فقال سَعد بن معاذ: كأنَّكَ تُرِيدنَا يا رسول الله، وكان الأنصار الذي منهم سعد هُم الأكثريّة في المسلمين. فقال له الرسول: تَكلّم يا سَعد؛ فقال سَعد:« قد آمنَّا بِكَ وصدّقنَاك، وشَهِدنا أنَّ ما جئت به الحق، وأعطيناك مَواثِيقنا على السَّمع والطاعة، فامضِ يا رسول الله لِمَا أرَدّت، فنحن معك، فوالذي بعثك بالحق، لو استعرضت بنا هذا البحر لخُضناه معك، ما تَخلَّف مِنّا رجل واحد، وما نَكره أنْ تَلقى بنا عَدوّنا غداً، إنّا لَصُبرٌ عند الحرب، صُدقٌ عند اللِّقاء، لعلَّ الله يُريكَ فينا ما تَقرُّ به عَينُك، فَسِر بنا على بركة الله». فقال رسول الله_ صلى الله عليه وسلم_،:” سِيروا وأبشروا، فإنَّ الله تعالى قد وعَدَني إحدى الطَّائِفتين، والله لَكأنّي الآن أنظر إلى مصارع القوم».
وقد حَمَلَ سعد راية الأوس يوم بدر؛ وشَهد سعد أيضاً مع النبي_ صلى الله عليه وسلم _، غزوة أُحُد، وثَبَتَ معه في القتال، وفي غزوة الخندق( غزوة الأحزاب)، رُمي سعد بسهمٍ قَطعَ منه الأكحل، وكان الذي رماه رجل من قريش اسمه« حِبَّان بن العَرقة»، فقال سعد:« اللّهمَّ إنْ كنتَ أبقَيتَ من حرب قريش شيئاً، فأبقِنِي لها، فإنّه لا قوم أحبّ إليَّ مِن أنْ أُجاهِدهم فيك من قومٍ آذوا نَبيَّك وكذَّبوه وأخرَجوه، اللَّهم إنْ كُنت وضَعتَ الحرب بيننا وبينهم، فاجعلها لي شهادة، ولا تُمتنِي حتى تَقرَّ عيني من بني قُريظَة».
تَحكيم سَعد في بني قُريظة
بعد غزوة الخندق، دعا النبي أصحابه إلى قتال بني قريظة، لِنَقضهِم عَهدَهم مع المسلمين، وتحالفهم مع قريش في غزوة الخندق. فَحَاصَر المسلمون حصون بني قريظة 25 يوماً حتى أرسلوا يَطلبون السِّلم، وطلبوا من رسول الله؛ أنْ يُحكِّم سعد بن معاذ فيهم، وكان سَعد حَليفَهم في الجاهلية.
فأرسل النبي إلى سعد، فَجِيءَ به محمولاً على حمار، وهو مُتعَب من جُرحه، فقال له:« أشِر عليَّ في هؤلاء»، فقال سعد:« يا رسول الله؛ لو وُلّيتُ أمرَهُم، لَقَتلتُ مُقاتِلتَهُم، وسَبَيْتُ ذَرارِيهم»، فقال النبي_ صلى الله عليه وسلم_:” والذي نفسي بيده، لقد أشَرتَ عليّ فيهم بالذي أمرني الله به، وقد حَكَمتَ فيهم بِحُكمِ الله من فوق سبعِ سموات”.
ثُمَّ أُعيد سعد إلى المدينة إلى القُبّة التي ضربها عليه النبي_ صلى الله عليه وسلم_، في المسجد النّبوي، لِيَعُوده ويزوره من قريب، وكوى النبيّ له ذراعه.
وفاته
يذهب النبي، ومعه أبا بكرٍ وعُمر، لزيارة سَعد بن معاذ في القُبَّةِ التي ضربهَا له. فلمّا دخلوا عليه، وجدوا يده قد انفجرت بالدَّم، فقام إليه النَّبيّ_صلى الله عليه وسلم_، وعانقهُ حتى مات؛ فبكى أبو بكر وعمر، وحَزن النبيُّ عليه وأخذ بِلحْيَته، ثُمَّ صلّى عليه، وحُمل فدُفن بالبقيع، وشهد النبي دفنه. وكان الذين أنزلوه في قبره؛{ ابن أخيه الحارث بن أوس بن معاذ، وأُسيد بن حُضَير، وأبو نائلة سَلكان بن سلامه بن وَقش، وسَلَمة بن سلامه بن وقش}. وكانت وفاة سعد بن معاذ سنة 5 هـ بعد غزوة الخندق بشهر.
قال الحَسن البَصريّ:« كان سعد بَادِنَاً، أي سميناً، فلمّا حَملُوه، وجدوا له خِفَّة. فقال رجال من المنافقين: والله إنْ كان لَبَادِناً، وما حَملنا أخَفَّ منه. فبلغ ذلك رسول الله ، فقال: إنَّ له حَمَلَة غيركم، والذي نفسي بيده لقد استبشرت الملائكة بروح سعد، واهتزَّ له العرش من فوق سبع سموات».
وَرَوت عائشة_ رضي الله عنها_، عن النبي_ صلى الله عليه وسلم_، قوله:« إنَّ للقبر ضَغطَة، ولو كان أحد ناجياً منها، لنجا منها سعد بن معاذ». وروى سعد بن أبي وقّاص؛ عن النبي، أنّه قال:« لقد نزل من الملائكة في جنازة سعد بن معاذ، سبعون ألفاً ما وَطِئوا الأرض قبل، وبحقٍّ أعطاه الله تعالى ذلك».