ما هي الأسطورة وطرق فهم الأسطورة

اقرأ في هذا المقال


ثبت أنّه من المستحيل تحقيق تعريف واحد شامل للأسطورة، ولا يوجد تعريف واحد يمكنه أن يحتضن بشكل مرضٍ جميع الأنواع المختلفة للقصص التي يمكن تصنيفها بشكل شرعي على أنّها أساطير على أساس معيار أو آخر، ومحاولة تعريف الأسطورة في حد ذاتها مهما كانت القضية صعبة الحل تعمل على تسليط الضوء على صفات القصص التي تجعلها مختلفة تمامًا عن بعضها البعض.

معنى كلمة أسطورة

كلمة أسطورة مشتقة من الكلمة اليونانية (mythos) والتي يمكن أن تعني حكاية أو قصة وهذا أساسًا ما هي الأسطورة: أي قصة، وبالنسبة للكثيرين يثبت مثل هذا التعريف العام أنّه ليس له خدمة حقيقية، ويضيف البعض مؤهلًا مفاده أنّ الأسطورة يجب أن تكون حكاية أو قصة تقليدية، وهي قصة أثبتت قيمتها الدائمة لدرجة أنّه يتم إعادة سردها باستمرار ومن خلال أيًا كانت الوسيلة التي يختارها الفنان أو الراوي، حيث غالبًا ما يتم التمييز بين الأسطورة أي الأسطورة الحقيقية (true myth) أو الأسطورة الصحيحة (myth proper) والملحمة (saga) أو الخرافة (legend) والحكاية الشعبية (folktale).

أسطورة والملحمة أو الخرافة والحكاية الشعبية

1- الأسطورة: ليس مصطلحًا شاملًا لجميع القصص ولكن فقط لأولئك المهتمين بشكل أساسي بالآلهة وعلاقاتهم بالبشر.

2- ملحمة أو الخرافة: قصة تحتوي على نواة من الحقيقة التاريخية على الرغم من التراكمات الخيالية اللاحقة.

3- الحكاية الشعبية: هي عبارة عن قصة وعادة ما تكون شفهية تحتوي على عناصر رائعة، وغالبًا في نمط مغامرة بطل أو بطلة، ووظيفتها الرئيسية هي الترفيه ولكن يمكنها أيضًا التثقيف بجميع أنواع الأفكار، وتحت هذا العنوان يمكن تصنيف القصص الخيالية المليئة بالكائنات الخارقة للطبيعة والسحر وتوفر محتوى أخلاقيًا أكثر تحديدًا، ونادرًا ما نجد في الأساطير اليونانية والرومانية إن وجد مثالًا أصليًا غير ملوث لأي من هذه الأنواع من القصص.

الأسطورة والحقيقة

الارتباط الأكثر شيوعًا بين كلمتي أسطورة وأسطوري هو ما هو مذهل ومهم، وكم مرة نسمع عبارة “إنّها أسطورة” تُلفظ في تناقض مهين مع مفاهيم جديرة بالثناء مثل الواقع والحقائق؟ وعلى عكس اكتشافات العلم التي تتغير حقائقها باستمرار فإن الأسطورة مثل الفن أبدية، والأسطورة بمعنى ما هي أعلى حقيقة والرفض الطائش للأسطورة على أنّها خيال أو كذبة هو التعريف الأكثر جفاءً وتضليلًا للجميع، وتعمل الأسطورة على تفسير التجربة الإنسانية بأكملها ويمكن أن يكون هذا التفسير صحيحًا أو خياليًا أو قيمًا أو غير جوهري بعيدًا تمامًا عن صدقه التاريخي.

تفسير الأسطورة في علم المسببات

يتطلب التفسير المسبب للمسببات للأسطورة أنّ الأسطورة الحقيقية يجب أن تعطي (aitia) -التي تعني المسؤول-  أو السبب لحقيقة أو ممارسة طقسية أو مؤسسة، وبالتالي فإنّ المسببات المحددة بشكل ضيق تفرض معيارًا محددًا وصارمًا للغاية للتعريف، ومن ناحية أخرى إذا وسع المرء مفهوم (aitia) للأسطورة ليشمل أي قصة تشرح أو تكشف شيئًا، فإنّ النهج المسبب للمرض يقدم واحدة من أكثر الطرق خصوبة لتفسير الأسطورة على الرغم من أنّه لا يستطيع تعريفها حقًا، فما القصة التي يمكن تجنب تقديم نوع من التفسير أو الوحي؟ هل أفضل تعريف عام للأسطورة بعد كل شيء قصة تقليدية؟

تفسير الأسطورة في علم النفس

نظريات فرويد ويونغ أساسية وبعيدة المدى في تأثيرها وعلى الرغم من التحدي المستمر فإنّها توفر أدوات البحث الأكثر لتفسير عميق واستبطاني للأساطير، فقد ركزت أفكار فرويد الأكثر تأثيرًا لتفسير الأسطورة على التطور النفسي الجنسي ونظرية اللاوعي وتفسير الأحلام وعقدة أوديب، حيث أنّ عقدة أوديب تم تطويرها في عمل يحاول شرح الاستيراد الدرامي المضطرب والخالد بشكل خاص لـ (Sophocles Oedipus Tyrannos)، حيث تنص نظرية عقدة أوديب على أسطورة أنّ المشاعر الجنسية الأولى للطفل الذكر موجهة نحو الأم مع ما يصاحب ذلك من إثارة الغيرة والكراهية تجاه المنافس لتلك المشاعر ألا وهو الأب.

أما الأحلام فقد رأى فرويد أنّها كتعبير عن الرغبات المكبوتة أو الخفية، كما إنّ العمل الذي يحلم به النوم له ثلاث وظائف أساسية وهي: لتكثيف العناصر ولتحل محل العناصر عن طريق تغييرها ولتمثيل العناصر من خلال الرموز، وفي هذا الصدد يمكن لرموز الأحلام أن تعمل بنفس الطريقة التي تعمل بها رموز الأساطير.

في حين تجاوز كارل يونغ علاقة الأساطير والأحلام بالفرد لتفسير الأساطير على أنّها إسقاط لما أسماه اللاوعي الجماعي أي الكشف عن الميول النفسية المستمرة للمجتمع، وقام يونغ بتمييز مهم بين اللاوعي الشخصي فيما يتعلق بمسائل حياة الفرد الخاصة واللاوعي الجماعي الذي يحتضن المسائل السياسية والاجتماعية للمجموعة.

كما تحتوي الأساطير على صور أو نماذج بدئية وفقًا لجونغ وهي تعبيرات تقليدية عن الأحلام الجماعية والتي تطورت على مدى آلاف السنين للرموز التي يعتمد عليها المجتمع ككل، وهذه النماذج الأصلية التي تم الكشف عنها في حكايات الناس تنشئ أنماطًا من السلوك يمكن أن تكون بمثابة نماذج، كما هو الحال عندما نلاحظ أنّ حياة العديد من الأبطال والبطلات تشترك في عدد ملحوظ من السمات المتشابهة التي يمكن تحديدها على أنّها تستحق المحاكاة، وبالمثل يجب تصنيف الأنواع الأخرى من المفاهيم بين الأنواع العديدة والمتنوعة من النموذج الأصلي ليونغ المتضمن في تراثنا الأسطوري، على سبيل المثال أم الأرض العظيمة وإله السماء الأسمى والرجل العجوز الحكيم والعاشق الشاب المثالي.

تفسير الأسطورة في علم الاجتماع

الأسطورة والطقوس

يظل الغصن الذهبي (The Golden Bough) لسير جيمس جورج فريزر نصبًا تذكاريًا رائدًا في محاولاته لربط الأسطورة بالطقوس، وبالمثل فإن أعمال جين هاريسون لها أهمية أساسية، حيث يوفر كل من فريزر وهاريسون ثروة من البيانات المقارنة وكلاهما قد يخضع لنفس التحفظات النقدية حول صحة تفسيراتهم الشعائرية وتشابهاتهم بين أساطير القبائل البدائية والأساطير الكلاسيكية، ومع ذلك فقد أنشأ كلاهما مقاربات أساسية لا تزال قائمة حتى يومنا هذا.

كما كتب الروائي والشاعر الشهير روبرت جريفز معالجة مؤثرة للأساطير اليونانية مليئة بالمعلومات الواقعية القيمة مصحوبة بتفسيرات مشكوك فيها وخصوصية، ولقد كان تعريف الأسطورة الحقيقية كنوع من الاختزال في الشكل السردي للتمثيل الصامت في الطقوس مقيدًا للغاية، كما إنّه يفصل بين الأساطير والحكايات الأخرى من خلال التركيز بحكمة على الفروق الأدبية الموجودة في مجموعة متنوعة من القصص.

الأسطورة كرموز اجتماعية

أدى عمل برونيسلاف مالينوفسكي كعالم أنثروبولوجي بين سكان جزيرة تروبرياند (خارج غينيا الجديدة) إلى تحديده للعلاقة الوثيقة بين الأساطير والمؤسسات الاجتماعية، فترتبط الأساطير بالحياة العملية وتشرح الممارسات والمعتقدات والمؤسسات القائمة بالرجوع إلى التقاليد، حيث هم مواثيق العادات والمعتقدات الاجتماعية.

الأسطورة والبنيويون

يرى البنيوي كلود ليفي شتراوس أنّ الأسطورة هي طريقة للتواصل حيث يؤسس الهيكل أو العلاقات المتبادلة بين الأجزاء بدلاً من العناصر الفردية وحدها أي المعنى، وفي الاعتقاد بأنّ السلوك البشري نمط وأنّ العقل البشري له بنية ثنائية يجادل ليفي شتراوس بأنّ إبداعات العقل بما في ذلك الأساطير على وجه الخصوص تشترك في بنية ثنائية.

أحد الأهداف الرئيسية للأسطورة هو التفاوض بين أزواج ثنائية أو أزواج من الأضداد، على سبيل المثال (نيئة، مطبوخة)، (حياة، موت)، (صياد، مطارد)، (طبيعة، ثقافة)، (ذكر، أنثى)، (داخل، خارج) وحلها، ونظرًا لأنّ معنى الأسطورة مشفر في هيكلها فإنّ جميع إصدارات الأسطورة لديها القدرة على أن تكون صحيحة بشكل متساوٍ، بالإضافة إلى الكثير من البنيويون الذين حاولوا تفسير وفهم الأسطورة من مثل فلاديمير بروب ووالتر بوركيرت.

المصدر: E. M. Berens, The Myths & Legends of Ancient: Greece and Rome, MetaLibri, October 13, 2009.LILIAN STOUGHTON HYDE, FAVORITE GREEK MYTHS: YESTERDAY’S CLASSICS, CHAPEL HILL, NORTH CAROLINA, 2008.JESSIE M. TATLOCK, GREEK AND ROMAN MYTHOLOGY, NEW YORK, THE CENTURY Copyright, 1917.ALEXANDER S. MURRAY, MASTUAL OF MYTHOLOGY: GREEK AND ROMAN, NORSE, AND OLD GERMAN, HINDOO AND EGYPTIAN MYTHOLOGY, NEW YORK: CHARLES SCRIBNER'S SONS, 1893.


شارك المقالة: