مفهوم الكتابة:
الكتابة “هي عملية استخدام الرموز (حروف الأبجدية وعلامات الترقيم والمسافات) لتوصيل الأفكار والأفكار بشكل مقروء فيمكن أن تشير “الكتابة” أيضًا إلى عمل / مهنة المؤلف، كما في: “شكسبير لم يكسب الكثير من المال من الكتابة”.
نشأة الكتابة وتطوّرها:
كان العرب يتناقلون الأخبار والأشعار والروايات من جيل إلى جيل لذلك لم يُعانوا آنذاك من مُشكلة التواصل الفكري، وحين بدأ التدوين كان أكثر هذا الكلام قد ضاع أو شوهته الذاكرة والتناقُل إلَّا أنَّ الجوهر بقي وظل الطابع العربي المُميّز هو المُسيّطر.
فالكلام سابق للكتابة التي لم تعرف إلَّا بتُطوّر الحياة وظهور الحضارات فالكتابة مُلازمة للحضارة وقد وُلدت معها لأنَّها تُمثل العلاقات الموضوعيّة في المُجتمع ولأنَّها تُعبر عن الانتماء الاجتماعي للإنسان
أمَّا الكلام فهو فطري لأنَّ هبة النُطق وقُدرته تولد مع الإنسان وقدرة النُطق تُتجسد في لُغة مُعيّنة حسب البيئة والمُحيط الاجتماعي الذي يعيش فيه الفرد.
وقد استطاع الإنسان البدائي أن يتغلَّب على عنصر المكان بواسطة الإشارة والإتجاه واستخدام الأصوات ولكنَّه حين أراد أن يتخطَّى الزمان استخدم الرسوم والتشكيلات وتطوّرت هذه الأشكال حتى كوّنت الكتابة، فالكتابة قديمة جدًا.
وقد اختلفت الآراء حول قضية الكتابة وتُطوراتها فبعض الباحثين العُرب يرون أنَّ الكتابة تُعتبر توقيفيّة مُستشهدين بالآية الكريمة: “وعلَّم آدمَ الأسماءَ كُلّها”.
ويرون أنَّ آدم عليه السلام قد كتب كتابًا من ألواح من الطين وطمر هذه الألواح قبل موته وبعد الطوفان أخذت كل أُمَّة كتابها وكان نصيب سيدنا إسماعيل كتاب اللغة العربيّة وبذلك تعلّم العرب الكتابة.
علمًا بأنَّ هناك فريقاً في هذه المقولة، وهي أن تكون الكتابة توفيقية، ومن هؤلا العلماء ابن خلدون الذي يرى أنَّ الكتابة نشأت بسبب الحاجة إليها وهي تابعة للعمران (الحضارة).
وفي بعض الروايات أن الكتابة وُجدت لدى الدولة الحميرية، ومنها انتقلت إلى الحيرة عن طريق المناذرة، وبعد الحيرة تعلمها أهل الطائف وقريش وقيل أنَّ الذي تعلم الكتابة من الحيرة هو سفيان بن أمية وقد تعلمها عن أسلم بن سدرة، ويعارضهم بذلك ابن خلدون رأي القائلين أنَّهم تعلموها من سكان العراق.
أمَّا المستشرقون فيرون أنَّ الكتابة نشأت في مصر، ثمَّ انتقلت إلى الفينيقين بواسطة التجارة التي ازدهرت بين البلدين، وبعد ذلك انتقلت لليونانين الذين طوروها إلى اللاتينية، وقام العرب بتطويرها إلى العربية، ومن هنا نجد أنَّ الكتابة المصرية القديمة أو الهيروغليفية هي أوَّل عنصر ساهم مُباشرة في نشأة الأبجدية.
ماهي مراحل الكتابة؟
المرحلة الأولى:
عُرفت هذه المرحلة بالرسوم المادية الذاتية، وكان التعبير يتم بواسطة بالصور والرسوم، وكانوا يعبرون عمَّا يحيط بالإنسان من موجودات تُرى بالعين المُجرَّدة.
المرحلة الثانية:
في هذه المرحلة هي مرحلة الرُّسوم المادية المعنوية، وفيها أصبح بالإمكان التعبير عن الأشياء المعنوية، وذلك عن طريق الرُّموز والصور، ولكن عدم وجود ترابط لغوي بين هذه الرموز كان يُشكل عائقًا كبيرًا للفهم.
وكانت هذه الكتابة هي الكتابة الهيروغليفية:وهي عبارة عن رموز خطية لا تكون كلمة وإنَّما أشكالًا تُشير إلى المعنى وهي تعبير للأشياء بصورها المادية، فمثلًا إذا أرادو أن يدلو على معنى شجرة رسموا صورة شجرة، وإذا أرادوا أن يدلوا على حيوان رسموا صورة حيوان، ومن عيوب هذه الطريقة أنَّها ترمز إلى صور الماديات ولا ترمز إلى صور المعنويات ، فمن الصَّعب جدًا أن تُعبر عن حالة الفرح أو الحُزن …الخ.
المرحلة الثالثة:
وهي مرحلة الرسوم المقطعية إذ قام السومريون والأكاديون بتقسيم هذه الرُّموز إلى قطع صغيرة. كما وتطورت الكتابة الصوتية عند الفينيقين فعرفوا تشكلات بعض الحروف.
ثمَّ تطوروا في هذا الدور بواسطة الصور فأصطلحوا على رسم صور وأشكال للدلالة على الحروف التي في أول أسمائها، وكل قوم أصطلحوا على صور مخصوصة حسب نُطق لُغتهم، ومع مرور الوقت اختصروا تلك الصور. حتى صارت علامات لا تدل إلَّا على أصوات الحروف.
المرحلة الرابعة:
تُعرف هذه المرحلة بالهجائية، بعد أن تطورت الكتابة عند الفينيقين وأوجدوا الأحرف الهجائية التي نقلها عنهم الإغريق وبقية الشعوب.
وتُعتبر أهم عملية إبداعية في التاريخ، خرجت من الأرض العربية ونرى أنَّ الأجداد هم أول من أوجدوا الكتابة والأحرف الهجائية في العالم. وهذا ما أكَّدته الرسوم السومرية التي عُثر عليها في بلاد مابين النهرين، واللوحات المسمارية التي كتبها الأكاديون ثمَّ العموريون والكنعانيون.
وقبل تطور الكتابة الكنعانية إلى كتابة لينة ابتدعت أوغاريت الأبجدية منذ عام (1500 ق.م) وكانت أبجديتها مُؤلفة من ثلاثين حرفًا وهي قريبة جدًا من الأحرف الأبجدية المُعاصرة، وكان شكل هذه الحروف يقترب من الحرف العربي اللين، وكانوا يكتبون على ألواح طينية بقصبة خاصَّة.
والكتابة الأوغاريتية لم تكن أبجدية كالكتابة الصينية، ولم يستخدموا منها الكثير من الإشارات التي تلازم الكلمات ذات الدلالة الصوتية المُختصرة، واكتفوا بصورة تُناسب الصيغة الصوتية، فنتج من ذلك أبجدية مُكونة من ثلاثين حرفًا.
هذا لايعني أنَّ الفينيقين هم أول من توصل إلى الأبجدية وحدهم، المصريون كذلك توصلوا إلى تشكيل للحرف الأبجدي بدلًا من الكتابة الهيروغليفية، لكن هذا الحرف لم يستعمل إلَّا لتزيين الكتابة الهيروغليفية التزينية أو المقطعية، يعني أنَّهم لم يستخدموا شكلًا أبجديًا.
وتُعتبر الأبجدية الأوغاريتية هي أول أبجدية في العالم، ويقول الباحث (جورج بيرو): “كان اختراع الأبجدية حدثًا مهمَّاً لا يُمكن أن نقارنه بأي حدث آخر في التاريخ البشري وهو أعظم من ابتكار الطباعة.
وهكذا تطورت من الأبجدية الفينيقية إلى ظهور الحروف اليونانية التي تكونت منها اللاتينية وبعد ذلك تطورت الأبجدية الفينيقية إلى الآرامية والنبطية، ثمَّ شُكلت الكتابة العربية الحالية، فقد كانت الكتابة العربية خالية من النقط والحركات، وقد أدَّى ذلك إلى خطر اللحن والإلباس في القراءة.
وقد خاف العرب على لغتهم. وكذلك على” القرآن الكريم”. إذ أصبحت الآيات القرانية تُقرأ قراءات مُختلفة ومن هُنا قام أبو الأسود الدؤلي بضبط المُصحف بالشكل المضبوط الذي نعرفه اليوم باسم نُقط الإعراب وهذا ما دفع العرب إلى اعتبار أبو الأسود الدؤلي رائد النحو فنقَّط المُصحف نُقط إعراب ويعود هذا بالفائدة على حفظ النصوص من حدود النحو.
ويُروى أنَّ زياداً بن أبيه طلب من أبي الأسود الدؤلي أن يجعل للكتابة حروف تُحدد القراءة وتكف عن اللحن وعيوبه، ولكن أبا الأسود لم يلبِ طلب زياد إذ خاف أن يفتري في ذلك على كلام القرآن الكريم الذي هو كلام الله المُنزل ثمَّ سمع أبا الأسود الدؤلي رجُلًا يقرأ ” إنَّ الله برئ من المشركين ورسوله” بكسر اللام فقال ما فكرت أنَّ أمر الناس صار إلى هذا؟
ثمَّ توجه إلى زياد بن أبيه وقال له أنا أفعل ما أمر به الأمير فليبلغني كاتبًا لِقنًا يفعل ما أقول فأتى بكاتبٍ من عبد القيس فلم يُعجبه فأتي بآخر (قال عنه المبرد أنه منهم) فإن اتبعت شيئًا من ذلك غُنًة، فضع موقع النقطة نقطتين وعُرف عمل أبو الأسود الدؤلي باسم “رسم العربية”.
وقد أخذ الناس هذه الطريقة عنه وشكلوا بها الحروف كما تفننوا بعده في شكل الحركات فجعلوها مُربعة أو مُدورة مسدودة الوسط أو خاليته وأخترعو كذلك علامات للحرف المُشددّ وللسكون، وكل ذلك بمداد يخالف في اللون مداد الكتابة، فأبو الأسود الدؤلي هو الذي ابتدع علامات تُسهِّل إعراب المُصحف وتضبط قراءته.
ومن الجدير ذكره هنا أنَّ الحروف في عصر أبو الأسود الدؤلي لم تكن مُعجمة، وهذا لم يخشَ من اختلاط النُقط المستعملة في الضبط مع تلك التي نعرفها اليوم للتمييز بين الحروف التي تشبه بعضها بالرسم وقد أدَّى عدم وجود نُقط مُميزة للحروف إلى اشتمال الكلمات القرآنية على أكثر من قراءة لأنَّ هذه الكلمات كانت برسم واحد في جميع المصاحف.
1- “فتبينوا” قُرئت “فتشبتوا”.
2- “نُنشزها” قُرئت “نُنشرها”
وهذا التعدد في القراءات شكّل خطرًا على الألفاظ القرآنية، وقد تَنبَّه إلى ذلك الحجاج بن يوسف، فأَمر نَصر بن عاصم الليثي ويحيى بن يعمَر ولقد كانا اثنان من تلاميذ أبو الأسود الدؤلي وأمرهم بتنقيط الحروف المُعجّمة كما يقول أبو أحمد العسكري في كتابه”التصحيف والتحريف”.
وقد قام تلاميذ الدؤلي بهذا العَمل القيّم والمُهم فنقطوا الحروف المُعجّمة تمييزًا لها من شبيهاتها المُهملة كالخاء والحاء بالنسبة للجيم، والضَّاد بالنسبة للصاد، والشين بالنسبة للسين. وقد عُرف هذا الاختراع باسم نُقط الإعجام وسُمي عمل أبو الأسود الدؤلي”نُقطة الإعراب”. وهكذا استطاع عباقرة اللغة العربيّة أن يُرسّخوا أُصولها ويُهذِّبوها ويضعوا قواعد لها ،ويضيفوا ما نقص ويُنقّصوا ما لزم حتى صارت الكتابة العربيّة في أتمِّ هيئتها.
وقد تابع اللغويون العرب مسيرة أبو الأسود وتلامذته وأوجدوا الكثير من الإشارات والعلامات التي لاغنى عنها لمُحتوى الكتابة أو علامات الترقيم المُستخدمة في الكتابة.