مراحل الهداية والنصر والثبات على الحق

اقرأ في هذا المقال


الآية:

﴿نَّحۡنُ نَقُصُّ عَلَیۡكَ نَبَأَهُم بِٱلۡحَقِّۚ إِنَّهُمۡ فِتۡیَةٌ ءَامَنُوا۟ بِرَبِّهِمۡ وَزِدۡنَـٰهُمۡ هُدࣰى وَرَبَطۡنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ إِذۡ قَامُوا۟ فَقَالُوا۟ رَبُّنَا رَبُّ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضِ لَن نَّدۡعُوَا۟ مِن دُونِهِۦۤ إِلَـٰهࣰاۖ لَّقَدۡ قُلۡنَاۤ إِذࣰا شَطَطًا﴾ [الكهف].

إنّ خطوة هؤلاء الفتية المؤمنين الجريئة البطولية التي خَطَوْها ضد الديانة الشركية السائدة، والسلطة القوية القائمة، التي كان أكثر كبارهم وأقربائهم موظفين فيها متطفلين عليها: لهي حقاً محلُ إكبار وإجلال.

إنّ هذه الآية الكريمة تناولت مراحل اعتناقهم للحق وإيمانهم واهتدائهم واستقامتهم وثباتهم عليه بترتيب لطيف خاص، وهو الترتيب الصحيح لمراحل الإيمان والدعوة المتسلسلة المترابطة، وقد صرّحت الآية الكريمة بأنّهم جرؤوا أولاً على نبذ دينهم السابق واعتناقهم الحق، وقبول الدعوة الدينية (إِنَّهُمۡ فِتۡیَةٌ ءَامَنُوا۟ بِرَبِّهِمۡ ) ثمّ زادهم الله هدى وثباتاً، ثمّ لما دخلوا مرحلة الابتلاء والمحنة، ربط الله على قلوبهم وهذه هي المراحل الطبيعية الشرعية التي يأتي معها نصر الله تعالى وتأييده.

إنّه ينبغي أن يلاحظ أنّ الله تعالى استعمل هنا جمع القلة، فقال: (إِنَّهُمۡ فِتۡیَةٌ) وذلك لأنّ المستميتين للدين الذين يُغفلون جوانب رقيهم المادي ورغد العيش والراحة، لا يكونون إلا قلّةٌ في كل عصر ثمّ لفت أنظارهم إلى أنّ الله تعالى ذكر من صفاته في هذا الموضع صفة الربوبية، فقال (ءَامَنُوا۟ بِرَبِّهِمۡ ) وقال (إِذۡ قَامُوا۟ فَقَالُوا۟ رَبُّنَا رَبُّ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضِ) وذلك لأنّ الناس كانوا يتصورون انحصار رقيهم وازدهارهم وكفالة حاجاتهم وقضاء متطلباتهم في الوفاء للحكومة والوظائف والمناصب.
لم يكونوا يتصورون الرّاحة والطمأنينة والعيش الهنيء بدون ذلك، فإنّهم لقولهم: ليس لنا رب وكافل إلّا الله رب السموات والأرض، لا حكومة تُربينا ولا مخلوق يرزقنا: ضربوا على تلك العقيدة الجاهلية الفاسدة والتصور الجاهلي الذي يشرك مع الله آلهة وأرباباً أخرى، وأعلنوا أنّ رزقهم ونفعهم وضرهم راجع إلى الله تعالى وحده، وقد أحيَوا بذلك مثال سيدنا صالح عليه الصلاة والسلام، وقد يكون وقع في أمرهم من ردة الفعل لإعلانهم ما وقع لأسرة صالح حيث قالوا ﴿قَالُوا۟ یَـٰصَـٰلِحُ قَدۡ كُنتَ فِینَا مَرۡجُوࣰّا قَبۡلَ هَـٰذَاۤۖ ﴾ [هود ٦٢].

الحكمة :

إنّ كل آية في القرآن الكريم معجزة برأسها، ولكن هذه الآية لاشتمالها على بيان ترتيب عجيب دقيق لمراحل الإيمان والدعوة والثبات والاستقامة، وإعلان الحق، والصبر عليه: معجزة خاصة وترتيب رباني.


شارك المقالة: