ظهرت قصة ملاك في التنكر(1851) في مجموعة تي أس آرثر، بعد قصص أخرى. “إنّ حلاوة تلك الطفلة المريضة التي تتطلع إليها السيدة جو دائمًا في الحب والصبر والامتنان، كانت عسلًا على روحها، وقد حملتها في قلبها كما بين ذراعيها عبئًا ثمينًا”.
الشخصيات:
- جون.
- كيت.
- ماجي.
- السيد جو طومسون.
- السيدة طومسون.
قصة الطفلة ماجي:
تبدأ القصة بموت أم لثلاثة أطفال التي سقطت وسط أطفالها البائسين على عتبة بابها، وماتت في حضور صغارها الخائفين حيث تعرضت هذه المرأة للاحتقار والسخرية والاستنكار بغضب من قبل كل من رجل وامرأة وطفل تقريبًا في القرية بسبب فقرها وقلة حيلتها ولكن الآن حل الحزن الشديد عليهم، وذهب الجيران على عجل إلى الكوخ القديم، الذي سكنت فيه وكان أكثر من مجرد مكان للإيواء من حر الصيف وبرودة الشتاء حيث أمنت فيه ثلاثة من أطفالها وهم: جون الابن الأكبر، وهو صبي في الثانية عشرة من عمره، فتى شجاعًا كان يعمل لكسب عيشه من المزارع.
أمّا كيت كانت، بين العاشرة والحادية عشرة من عمرها وهي فتاة ذكية ونشيطة، لكن ماجي الصغيرة الأصغر سناً، كانت مريضة بمرض ميؤوس منه حيث قبل عامين من سقوطها من النافذة أصابت عمودها الفقري ولم تتمكن من مغادرة سريرها منذ ذلك الحين، إلا عندما ترفعها والدتها بين ذراعيها، كان السؤال الرئيسي الآن الذي سأله الجميع، ما العمل مع الأطفال؟
ذهبت الأم المتوفاة تحت الأرض، وظلت إلى الأبد بعيدة عن كل رعاية أو اهتمام القرويين ولكن لا يجب ترك الأطفال يتضورون جوعاً، لذلك تجمع القرويون وبعد النظر في الأمر وتشاور أهل القرية، قال المزارع جونز لزوجته أنه سيأخذ جون، ويستغله بشكل جيد الآن بعد أن رحلت والدته وأصبحت بعيدة عن الطريق أمّا السيدة إليس التي كانت تبحث عن فتاة رأت أنه سيكون من الخير لها أن تختار كاتي، على الرغم من أنها كانت أصغر من أن تكون مفيدة لها في هذا العمر.
لكن لم يقل أحد “سآخذ ماجي” حيث كان ينظر إليها الجميع نظرات شفقة على شكلها الضائع، وكانت خارج أفكار وحسابات الجميع، في حين أحضرت بعض الأمهات ثياباً نظيفة وخلعوا ملابسها المتسخة وألبسوها ملابس نظيفة ثمّ لمست عيون الطفلة الحزينة ووجهها الجميل، بل وطرقتها للدخول و لكن لا أحد فتح ليأخذها، من كان يريد طفلاً طريح الفراش؟ ثمّ قال رجل بصوت خشن سوف اصطحبها إلى الملجأ، فطرح أحدهم سؤالاً: ألن يضايقها أحد؟ فأجاب الرجل: الملجأ مكان حزين لطفل مريض عاجز، فقال الرجل الآخر باستخفاف: لطفلك أو لطفلي. ولكن بالنسبة إلى هذه المسكينة، سيكون ذلك تغييرًا جيداً، وستظل نظيفة، وستتناول طعامًا صحيًا وستتم معالجتها، وهو أكثر مما يمكن فعله لها.
في اليوم التالي ليوم الوفاة هو يوم الدفن حيث كان عدد قليل من الجيران في الكوخ البائس، لكن لم يتبع أي منهم عربة الميتة لأنها تحمل بقايا غير مشرفة إلى قبرها الفقير و بعد إخراج التابوت، وضع المزارع جونز، الابن الأكبر جون في عربته وانطلق بعيدًا، مقتنعًا بأنه قد قام بدوره، ثمّ تحدثت السيدة إليس إلى كيت بصوت متسرع: ودعي أختك جيدًا، وبدأ الأطفال بالبكاء لأخذهم بعيدًا عن بعضهم البعض قبل أن تلمس شفاههم الوداع لبعضهم ثمّ خرج آخرون على عجل، بعضهم نظر إلى ماجي، وامتنع البعض بحزم عن إلقاء نظرة عليها حتى ذهب الجميع وأصبحت وحيدة! وبعد العتبة مباشرة توقف جو طومسون صانع العجلات، وقال لصديقه الحداد، الذي كان يسرع مع البقية: إنه لأمر قاسٍ أن تتركها هكذا.
أجاب الحداد: سيتم اصطحابها إلى الملجأ سيكون عليها الذهاب إلى هناك، ثم غادر مبتعداً وترك جو وراءه حيث وقف الرجل قليلاً في حيرة ثم عاد ودخل الكوخ مرة أخرى و بجهد مؤلم، رفعت ماجي نفسها إلى وضع منتصب وجلست على السرير، وهي تجهد عينيها على الباب الذي غادر منه الجميع للتو وخيم رعب غامض على وجهها الأبيض الرقيق ثمّ صرخت وهي تلتقط أنفاسها: يا سيد طومسون، لا تتركني هنا وحدي، وعلى الرغم من خشونته من الخارج، إلا أن جو طومسون صانع العجلات، كان لديه قلب وكان رقيقًا جدًا في بعض الأحيان و كان يحب الأطفال، ويسعده أن يأتوا إلى متجره حيث يقوم بصنع الزلاجات والعربات أو إصلاحها لفتيان القرية.
أجاب بصوت لطيف: لا يا عزيزي، وهو يذهب إلى السرير وينحني فوق الطفل لن نتركك هنا بمفردك ثم لفها بلطف في الأغطية النظيفة التي أحضرها أحد الجيران ورفعها بين ذراعيه القويتين وحملها في الهواء وعبر الحقل الذي يقع بين الكوخ ومنزله، والآن زوجة جو طومسون التي تصادف أنها لم تنجب، لم تكن امرأة ذات مزاج جيد، ولم تقدم الكثير من أجل مصلحة الآخرين، وكان لدى جو شكوك راسخة في طريقة التحية التي يجب أن يتلقاها عند وصوله، وبعد أن رأته السيدة طومسون يقترب من النافذة قابلته وهي ترتدي ملابس من الريش الكثيف على بعد خطوات قليلة من الباب، وعندما فتح بوابة الحديقة ودخل، كان يحمل عبئًا ثمينًا، حيث عندما حملت ذراعيه الطفلة المريضة إلى صدره، شعر بنوع من الحنان الذي اخترق مشاعره وكأنه شعر بالحب للحياة من جديد.
وعندما سألته السيدة طومسون بحدة: ماذا لديك هناك؟ شعر جو أن الطفلة بدأت تنكمش في حضنه وكان يرد على زوجته بنظرات تحذيرية كأنه يقول من خلالها: انتظري لحظة للتفسير وكوني لطيفة. ثمّ قام بالمرور أمامها وهو يحمل ماجي إلى الغرفة الصغيرة في الطابق الأول، ووضعها على سرير ثمّ بعد ذلك تراجع وأغلق الباب ووقف وجهًا لوجه مع زوجته التي كانت مذهولة في الممر بالخارج حيث كان الغضب والدهشة في نغمات السيدة جو، وكان وجهها مشتعلًا بالغضب ثمّ قالت: لم تحضر هذه الطفلة المريضة إلى المنزل؟
كان عادة ما يبتعد عن طريق زوجته، أو يظل صامتًا بشكل صارم وغير قتالي عندما تناقشه في أي موضوع لذلك كان من المفاجئ أنها واجهت الآن وجهًا ثابتًا وعينين حازمتين منه حين قال جو بغضب: أعتقد أن قلوب النساء أحيانًا تكون قاسية جدًا، ثمّ رأى جو من خلال حدس سريع أن تأثيره الحازم قد أثار إعجاب زوجته ثم أكمل بسرعة، وبسخط حقيقي: مهما كان الأمر، فإن كل امرأة في الجنازة أدارت عينيها بثبات عن وجه الطفلة المريضة، وعندما انطلقت العربة بوالدتها الميتة وأسرعت بعيدًا وتركتها وحدها في ذلك الكوخ القديم، كيف لنا أن ننام مرتاحين في بيوتنا وتلك الطفلة نائمة بحزن وسط الظلام وحدها؟
سألت السيدة طومسون: أين كان جون وكيت؟ فأجابها : ألقى المزارع جونز جون في عربته وانطلق، وعادت كيت إلى المنزل مع السيدة إليس، لكن لا أحد يريد المريضة المسكينة فصرخت زوجته مباشرة: أرسلها إلى الملجأ لماذا لم تتركها تذهب، ما الذي أحضرته لنا هنا؟ فقال جو إنها لا تستطيع العيش في الملجأ لأنّها لا تستطيع المشي حيث يجب أن يقوم شخص ما بحملها، وأنا قوي بما يكفي للقيام بهذه المهمة. ثمّ أكمل السيد جو: ولكن يجب أولاً رؤية الأوصياء عليها والحصول على تصريح منهم يمنحني رعايتها، ثمّ ردت زوجته باستهزاء: متى سترى الأوصياء؟ لماذا تأجل حتى الغد؟ اذهب على الفور للحصول على التصريح.
قال صانع العجلات بنبرة مؤثرة أخمدت زوجته بشدة أنّه قرأ في الكتاب المقدس الكثير الذي يقال عن الأطفال الصغار وأنّ من أعطاهم حتى كوبًا من الماء البارد يجب أن يكافأ وما يفعله الآن، إنه لشيء صغير بالنسبة لنا أن نحتفظ بهذه الفتاة الصغيرة المسكينة التي بلا أم لليلة واحدة، أن نكون لطفاء معها لليلة واحدة لنجعل حياتها مريحة لليلة واحدة، ثمّ اهتز صوت الرجل القوي القاسي، وأدار رأسه بعيدًا حتى لا ترى الدموع في عينيه، لم تجب السيدة طومسون، لكن شعورًا غريباً تسلل إلى قلبها.
ثمّ طلب جو من زوجته النظر إليها بلطف والتحدث معها وطلب منها التفيكر في والدتها الميتة والوحدة والألم ، والحزن الذي ستلاقيه خلال حياتها القادمة، عندها شعرت الزوجة برقة قلب زوجها ولكنّها لم ترد بشيء، ثمّ استدارت في الوقت الحالي نحو الغرفة الصغيرة حيث أودع زوجها ماجي وفتحت الباب ودخلت بهدوء.
ولكنّ لم يتبعها جو حيث شعر أنه من الأفضل تركها وحدها مع الطفلة فذهب إلى دكانه الذي يقع بالقرب من المنزل، وعمل حتى المساء، وعند عودته كان الضوء الساطع عبر نوافذ الغرفة الصغيرة هو الشيء الأول الذي جذب انتباه جو عند الالتفات نحو المنزل، لقد كان شيئاً جيدًا حيث تفاجأ عندما دخل ورأى ماجي وقد استلقت مرفوعة قليلاً على الوسادة والمصباح يضيء بالكامل على وجهها.
كانت السيدة طومسون جالسة بجانب السرير تتحدث إلى الطفلة وكان ظهرها نحو النافذة حتى لا ترى وجهها، لذلك رأى أن عينيها كانتا متعمدتين على زوجته وبين الحين والآخر رأى من تعبير وجه ماغي الذي كان حزينًا ورقيقًا لكنه لم يرَ شيئًا من المرارة أو الألم ثمّ أخذ نفسا عميقا من الراحة، وكأن شيئاً رفع ثقل نفسه عن قلبه وعند الدخول، لم يذهب جو على الفور إلى الغرفة الصغيرة ولكن جلبت خطواته الثقيلة حول المطبخ زوجته على عجل إلى حد ما من الغرفة التي كانت فيها مع ماجي.
اعتقد جو أنه من الأفضل عدم الإشارة إلى الطفلة، وعدم إظهار أي قلق فيما يتعلق بها، ثمّ سأل: متى سيكون العشاء جاهزًا؟ أجابت السيدة طومسون: قريبًا، ولم يكن هناك قسوة في صوتها، وبعد أن غسل يديه ووجهه من الغبار وأتربة العمل، غادر جو المطبخ وذهب إلى غرفة النوم الصغيرة. ونظرت إليه بعينان كبيرتان ساطعتان من السرير الثلجي ثمّ نظر هو إليها بحنان وامتنان وتوسل، وبدأت دقات قلبه بالخفقان بشدة، ثمّ جلس جو ولأول مرة، بدأ يفحص الإطار الرفيع بعناية تحت ضوء المصباح، حيث رأى وجه الطفلة جذاب ومليء بحلاوة طفولية لم تستطع المعاناة أن تمحوها.
قال وهو جالس وأخذ يدها الصغيرة الناعمة في يده: اسمك ماجي؟ كان صوتها يضرب على وتر ارتجف في صوت منخفض من الموسيقى: نعم سيدي. ثمّ سألها: هل مرضت منذ فترة طويلة؟ فقالت بصبر: نعم سيدي، فسألها: هل ذهبت للطبيب لرؤيتك؟ أجابته: كان يأتي ولكن ليس في الآونة الأخيرة؟ فسألها: هل لديك أي ألم؟ فقالت له: أحيانًا، لكن ليس الآن، ثم قال الرجل: متى شعرت بالألم؟ فقالت له: هذا الصباح كان جانبي يؤلمني، وظهري يؤلمني عندما حملتني، صمت قليلاً ثمّ قال: هل يؤلمك عند رفعك أو تحريكك؟ فقالت: نعم سيدي. فقال لها: جانبك لا يتألم الآن؟ أجابت: لا سيدي.
ثمّ سألها: هل هناك الكثير من الألم؟ فأجابت نعم سيدي، لكنها لم تؤلمني منذ أن كنت على هذا السرير الناعم، السرير الناعم شعور جيد، نعم سيدي – جيد جدًا، وكان في صوتها نوع من رضا اختلط بالامتنان ثمّ قالت السيدة طومسون وهي تنظر إلى الغرفة بعد قليل: العشاء جاهز. ثمّ نظر جو إلى وجه زوجته ثمّ إلى وجه ماجي، حيث فهمته زوجته وأجابت: يمكنها الانتظار حتى ننتهي، ثم سأحضر لها بعض الأشياء لتأكلها، كان هناك بعض اللامبالاة التي حاولت السيدة طومسون إظهارها، لكن زوجها رآها من النافذة، وأدرك أنّها تتصنع ذلك، انتظر بعد جلوسه على الطاولة، أن تتحدث زوجته بموضوع الطفلة لكنها التزمت الصمت بشأن هذا الموضوع لعدة دقائق، وحافظ هو أيضاً على عدم التحدث بنفس الموضوع.
قالت فجأة: ماذا ستفعل بهذه الطفلة؟ أجاب جو: وكأنه مندهش من سؤالها: اعتقدت أنك طلبتي أن أرسلها إلى الملجأ، ثمّ نظرت السيدة طومسون بغرابة إلى زوجها للحظات ثم أنزلت عينيها ولم تتم الإشارة إلى الموضوع مرة أخرى أثناء العشاء، وبعد الانتهاء من الوجبة حمّصت السيدة طومسون شريحة من الخبز وخففتها باللبن والزبدة إضافة إلى ذلك فنجانًا من الشاي، وأخذتهما إلى ماجي، حيث كانت الطفلة الجائعة تأكل مع علامات السرور الواضحة على وجهها، فسألتها السيدة طومسون: هل هذا الطعام جيد؟
توقفت الطفلة عن الأكل ووضعت الكأس من يدها، وأجابت بنظرة امتنان حيث أيقظت الحياة الجديدة لمشاعر إنسانية قديمة كانت نائمة في قلب السيدة طومسون لسنوات ثمّ في صباح اليوم التالي، قالت السيدة جو طومسون في وقت الإفطار: سنبقيها يومًا أو يومين أطول إنها ضعيفة للغاية وعاجزة، فقال جو: إن الطريق طويل أمام العناية بالطفلة، فردت زوجته: أنا لا أمانع ذلك ليوم أو يومين. مسكينة.
جلبت هذه الطفلة المريضة العاجزة نور ومباركة إلى منزل جو طومسون، صانع العجلات المسكين حيث كان الجو سابقاً مظلمًا وباردًا وبائسًا لفترة طويلة فقط لأن زوجته لم يكن لديها ما تحبه وتهتم به، وبالتالي أصبحت سريعة الانفعال وسيئة المزاج ومحبطة أمّا الآن حلاوة تلك الطفلة المريضة، التي تنظر إليها دائمًا في حب وصبر وامتنان كانت بمثابة العسل لروحها، وقد حملتها في قلبها وكذلك بين ذراعيها وكانت عبئًا ثمينًا، أما بالنسبة لجو طومسون، فلم يكن هناك رجل في كل الحي يشعر بالسعادة والرضا أكثر منه، لقد جاء ملاك إلى منزله متنكرا في زي طفل مريض عاجز وبائس، وملأ كل غرفه الكئيبة بأشعة شمس الحب.