وإذا سألك عبادي عني فإني قريب

اقرأ في هذا المقال



وإذا سألك عبادي عني فإني قريب :

قال تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِی عَنِّی فَإِنِّی قَرِیبٌۖ أُجِیبُ دَعۡوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِۖ فَلۡیَسۡتَجِیبُوا۟ لِی وَلۡیُؤۡمِنُوا۟ بِی لَعَلَّهُمۡ یَرۡشُدُونَ﴾ [البقرة ١٨٦] صدق الله العظيم.

في هذه الآية لما قبلها تعقيب وترابط، وهي قوله تعالى: (وَلِتُكۡمِلُوا۟ ٱلۡعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا۟ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَىٰكُمۡ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ… ) صدق الله العظيم، إشارة إلى أنّ الدعاء لا بد وأن يكون مسبوقاً بالثناء الجميل، لأنّه تعالى أمرَ أولاً بالتكبير، ثم رغب في الدعاء ثانياً، كما أرشدنا إلى ذلك في فاتحة الكتاب، حيث علمنا الثناء أولاً، ثم عقبه بقوله آمراً لنا أن نقول، قال تعالى: ﴿ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَ ٰ⁠طَ ٱلۡمُسۡتَقِیمَ﴾ صدق الله العظيم.

وأخبر عن الخليل عليه السلام، أنّه قدم الثناء على الدعاء، حاكياً عنه أنّه قال، قال تعالى: ﴿ٱلَّذِی خَلَقَنِی فَهُوَ یَهۡدِینِ (٧٨) وَٱلَّذِی هُوَ یُطۡعِمُنِی وَیَسۡقِینِ (٧٩) وَإِذَا مَرِضۡتُ فَهُوَ یَشۡفِینِ (٨٠) وَٱلَّذِی یُمِیتُنِی ثُمَّ یُحۡیِینِ (٨١) وَٱلَّذِیۤ أَطۡمَعُ أَن یَغۡفِرَ لِی خَطِیۤـَٔتِی یَوۡمَ ٱلدِّینِ (٨٢)﴾ صدق الله العظيم، وكل هذا ثناء منه على الله تعالى، ثم شرع في الدعاء فقال، فقال تعالى حاكياً عنه: ﴿رَبِّ هَبۡ لِی حُكۡمࣰا وَأَلۡحِقۡنِی بِٱلصَّـٰلِحِینَ (٨٣) وَٱجۡعَل لِّی لِسَانَ صِدۡقࣲ فِی ٱلۡـَٔاخِرِینَ (٨٤)﴾ صدق الله العظيم. [الشعراء ٨٣-٨٤].

وفي الآية إشارة أيضاً إلى فضيلة الدعاء في الصوم، لأنّه تعالى، بعد أن بيّن وجوب الصوم، وبين أحكامه، قال تعالى: (وَلِتُكۡمِلُوا۟ ٱلۡعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا۟ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَىٰكُمۡ ) إلى ما فيه لكم السعادة في الأولى، والعقبى، والتكبير إنّما هو الذكر؛ ثم أرشد إلى الشكر.

ثم بين أن سبحانه وتعالى يفيض على العبد أنواع العبد برّه وكرمه إذا امتثل أمره، فقال تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (١٨٦) ﴾ صدق الله العظيم، وأيضاً فإنّ الصوم، لما كان فيه إظهار العبودية لله تعالى، أرشد عباده إلى تمامها بالخضوع والتضرع والدعاء، فإنّ العبدَ لا غنى له عن سيده؛ وقوله تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي…) صدق الله العظيم، أي: هل أنا على حال المتكبرين من ملوك الدنيا في البعد عمن دونهم؟؟

فأخبرهم: أنّي لست كذلك، والعبادة: هي الذل، والخضوع، والانقياد، وقوله تعالى: (عبادي..) فيه دلالة على أن الله يُقبل على عبده العاصي إذا دعاه، ويفرح بتوبته، كما ثبت في الحديث الصحيح.

قوله تعالى: (فَإِنِّی قَرِیبٌۖ) صدق الله العظيم، جاء عن أبي موسى رضي الله عنه قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر ” فكنا إذا علونا كبرنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم : “ أيها الناس اربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا ولكن تدعون سميعا بصيرا”، ولا يتوهم متوهم أن القرب مكاني، فإن الله تعالى منزةٌ عن المكان وعن الحلول، فيكون تأويل الكلام: إنّي قريب، قريب ممن أطاعني أجيبه بالثواب على طاعته إياي إذا أطاعني، وهناك حديث يدل على كرم الله تعالى فعندما يقول النبي صلى ىالله عليه وسلم : ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث : إما أن يعجل له دعوته ، وإما أن يدخرها له في الآخرة ، وإمّا أن يصرف عنه من السوء مثلها ، قالوا إذا نكثر ؟ قال : الله أكثر، والأحاديث في هذا الباب كثيرة، ومعناها يرجع إلى معنى واحد.

قوله تعالى: (فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي) صدق الله العظيم، معناه: فليطيعوني، وهو المعروف من كلام العرب، والمعنى في الآية: فأجيبوني بالطاعة، وقيل: معناه فليدعوني.

قوله تعالى: (وَلۡیُؤۡمِنُوا۟ بِي) صدق الله العظيم، معناه: وليؤمنوا بي إذا هم استجابوا إلي بالطاعة، أنّي لهم من وراء طاعتهم لي في الثواب، وإجرائي الكرامة عليهم.

قوله تعالى:(لَعَلَّهُمۡ یَرۡشُدُونَ) صدق الله العظيم، فمعناه ( لعلهم) يهتدون، أي: ليكونوا على رجاء من الدوام على إصابة المقاصد، والاهتداء إلى طريق الحق؛ قال العلماء: الرش معناه: حسن التصرف في الأمر، حساً أو معنى، في دين أو دنيا.

وختم الله الآية برجاء الرشد، قال ابو حيان: والرشد من أحسن الأشياء،التي يطلبها العبد من ربه لأنه تعالى، لما أمرهم بالاستجابة له، وبالإيمان به، نبه على أن هذا التكليف ليس القصد منه إلا وصولك بامتثاله إلى رشادك في نفسك، لا يصل إليه تعالى منه شيء من منافعه، وإنّما مختصٌ به.


شارك المقالة: