وافق شَنّ طبقة

اقرأ في هذا المقال


قصة المثل

قِيل أنَّ شنّاً هذا كان رجلاً مِن دُهاة العرب، وكان قد حلَفَ ألاَّ يتزوَّج إلاَّ بامرأة داهيةٍ مثله، فقال: والله لأَطُوفنَّ في البلادِ حتى أجدَ امرأة مثْلي فأتزوّجهَا.

وبينما هو ذات يوم يَسيرُ في الطَّريق، لقِيَ رجلاً يريد القرية التي يريدها شَنٌّ، فَصَحِبهُ في طريقهِ، فلمَّا انطلقا، قال له شَنٌّ: أتَحمِلني أمْ أحْمِلك؟ فقال الرجل: يا جاهل، كيف يَحمل الرَّاكب الراكب؟!.

ثُمَّ سَارَا حتى رَأيَا زَرعَاً قد أوشك على الحصاد، فقال له شنٌّ: أترى هذا الزَّرع قد أُكِل أم لا؟ فقال الرجل: يا جاهل، أما تراه ما زالَ قائماً؟!

ثُمَّ بعد ذلك سارا حتى دخلا القرية،فاستَقبَلَتْهُما جِنازة، فقال شنٌّ للرجل: أترى صاحبها حيًّا أم ميتاً؟ فقال له الرّجل: ما رأيتُ أجهلَ منك، أتراهم حَملوا إلى القبور حيَّاً؟!

ثم إنَّ الرجل استضاف شَنَّاً إلى منْزله، وكان للرجل بنتٌ يُقال لها: طَبَقة، فلما دخل عليها أبوها سألته عن ضيفهِ؛ فأخبرها بمُرافقتِه إيّاه، وشكا لها جَهلهُ وحدَّثها بحديثهِ، فقالت : يا أبتِ ما هذا بجاهلٍ؛ فقالت:

أمَّا قوله: أتَحمِلنِي أمْ أحمِلك؟ فإنّه أرادَ أنْ يقول: أتُحدِّثني أم أحَدِّثك، حتى نَقطع طريقنا؟

وأما قوله: أترى هذا الزرع قد أُكِلَ أم لا؟ فإنه أرادَ أنْ يقول: أبَاعهُ أهله فأكلوا ثمنه، أم لا؟

وأما قوله في المَيّت، فإنما أراد أنْ يقول: أتَرَك عقِبَاً يَحيا بهم ذِكْره، أم لا؟.

فخرج الرجل إلى شنٍّ، فحادثه، ثم أخبره بتفسير ابنته لكلامه، فأُعجب شنٌّ بها، فَخطَبها من أبيها فزوَّجه إيَّاها، فحَمَلها إلى أهله، فلما عرَف أهلُه عقْلَها ودَهاءهَا، قالوا: “وافق شنٌّ طَبَقة“، فذهبت مثلاً بين العرب.

ويُضرَب هذا المثَل للمُتماثِلَيْن أو المُتشابِهَين يَلتَقِيان ويَتوافَقان.

ووافق: من المُوافقة، وهي عدم الإختلاف. وشنٌّ: الشَّنُّ في اللغة: كلُّ آنية خَلِقَةٍ بالية، مصنوعة من جِلد، وقد يكون عَلماً.

وطبقة: الطَّبقة في اللُّغة: غِطَاء كل شيء، وتُجْمع على أطباق، وقد يُراد بالطَّبق الجماعة من الناس، وبَنات الطَّبق الدَّواهي، وقيل: أصلها الحيَّة.

وقال الأصمعي في تفسيره: إنَّ الشَّنَّ هو الإِناء من الجلد، قد خَلِقَ وبَلِي، فصُنع له غطاء خَلِقٌ من جنسه، فوافق الشنُّ الطبقة التي عليه.

وقد تمثل بهذا المثل الشعراءُ في شِعرهم، ومن ذلك قول بعضهم:

وَكَأَنِّي مِنْ غَدٍ وَافَقْتُهَا **** مِثْلَمَا وَافَقَ شَنٌّ طَبَقَا 

شارك المقالة: