تمتعت الأندلس بالطبيعة والتضاريس الخلابة، وقد خصّها الله بالخضرة الدائمة ووفرة المياه الجارية فيها، واعتدال المناخ، كما ميزها الله بوجود جميع أشكال الحيوانات فيها، وكان لهذا وقع وأثر في نفس شعراء الأندلس، جعلهم ينطقون شعرًا رائعًا، واصفين فيه جمال هذه الحيوانات وأثرها في نفس الشعراء، وفي هذا المقال سنتناول أسلوب وصف الشاعر الأندلسي للحيوانات في شعره.
وصف الحيوان في الشعر الأندلسي
حبا الله الأندلس في طبيعة جغرافية ميزته عن باقي الدول، وكما هو معروف منذ الأزل أن للبيئة أثر كبير في نفوس ساكنيها، فكيف الحال بالشاعر الذي هو ابن البيئة، ولد ونشأ فيها فهو يستمد صوره ومعانيه وألفاظه من البيئة التي يعيش فيها ويتأثر بكل جوانبها الفكرية والاجتماعية والسياسية وغيرها من الأمور.
أثار الحيوان قريحة العديد من شعراء الأندلس، ولذلك نجد الكثير من الإيحاءات الموجودة في شعر الأندلس تدل على صفات وصور للحيوانات، والحيوان في الشعر الأندلسي يحمل معاني ودلالات كثيرة، وقد نجد أن العديد من هذه الدلالات ترتبط ارتباط واضح بالأسطورة والخيال.
تميز الشاعر الأندلسي في وصف الحيوانات بشكل كبير وواضح في شعرهم وهو على علم كافٍ بصفات كل حيوان وما يتميز به عن غيره، وأكثر الحيوانات التي تأثر بصفاتها الشاعر الأندلسي وتم ذكره في العديد من أشعارهم متناولين صفات وأبرز ما يميزه ويوظفوها في شعرهم هو الخيل.
تعتبر الخيل من أهم الحيوانات في الطبيعة التي تم تداولها في العديد من أشعار شعراء الأندلس، ونكاد نجد ذكره في جميع دواوين الشعراء، سواء أكان بشكل عارض مروا على ذكره مرور الكرام، أو كان ذكره متعمدًا مقصودًا، والقارئ لشعرهم يرى فيه أجمل الصفات التي تتصف فيها الخيول، فتراهم يصورون سرعتها وقوتها وأصالتها، وكذلك تطرقوا إلى ذكر أشكالها وألوانها.
تم ذكر الخيول كذلك عند الحديث عن مشاهد الحرب، وكيف لفتت هذه الخيول الأنظار لها وسط هذه الحرب بمشيتها وحتى لونها الرائع، ولن نغفل عن شعر المدح، وكيف تخلله الكثير من صفات الخيل التي نسبت إلى الممدوح من قيم وأصالة وجود، وعزة وفخر وغيرها من الصفات.
ومن أبرز الشعراء الذين أكثروا من ذكر الخيول وصفاتها في شعرهم: ابن زمرك، ولسان الدين بن خطيب، وكذلك الشاعر ابن خفاجة، وكان ابن حمديس من المولعين بحب الخيول وكان من أبرز شعراء الأندلس الذين افتتنوا بالخيل، ومن أشعارهم الرائعة في الخيل ما قاله ابن زمرك:
من أشهبٍ كالصبح يطلع غرةً
في مستهل العسكر الجرار
أو أدهم كالليل إلا أنه
لم يرض بالجوزاء حلي عِذار
أو أحمر كالجمر يذكي شعلةً
وقد ارتمى من بأسه بشرار
أو أشقر حلَّى الجمال أديمه
وكساه من زهو جلال نُضار
أو أشعل راق العيون كأنه
غلس يخالط سُدفةً بنهار
شهب وشقر في الطراد كأنها
روضٌ تفتح عن سقيها بهار
وفي شعر ابن حمديس نراه مفتونًا بجمال الخيول ومولعٌ فيها، وفي قصيدة له يمدح رجلًا جاءته مجموعةٌ من الخيول هديةً له، حيث أن الشاعر في هذه القصيدة تخاله قد نسيَّ الغرض الرئيسي لهذه القصيدة وهو أن يذكر محاسن ممدوحة، ويمدحه بأجمل الصفات، وقد توجه واسترسل في وصف هذه الخيول، التي افتتن بجمالها وألوانها، وفي ذلك يقول:
جاءتك أولاد الوجيه ولاحق
فأرتك في الخلق ابتداع الخالق
قد وقعت لك بالسعود وما جرت
بسواد نقس في بياض مهارق
غرٌ مُحجلةٌ تكامل خلقها بمجانس
من حسنها ومطابق
وكأنما حيث عُلاك وجوهها
فأسال فيها الصبح بيض طرائق
وكأن صبحًا خصَّ فاه بقبلةٍ
فابيض موضعها لعين الرامق
ومن الحيوانات الأخرى التي كان لها ذكر وافر في شعر الشعراء الأندلس الطيور بجميع أشكالها وأنواعها، حيث يسترسل الشاعر بذكر جمالها وصفاتها ويوظفوها في أشعاره سواء أكان في شعر الحنين، أو جمال المحبوبة، أو إسناد الصفات للممدوح، ومن ذلك ما قاله ابن زمرك في قصيدته التي وصف فيها طائر البازي حيث يقول:
أبدت لنا سبج العيون وطوقت
أرجاءها بعقيقةٍ حمراء
واشتاقت الياقوت في منقارها
ومشت على المرجان في استحياء
ووشت يَدُ الأقدار في أعطافها
وشيًا زرى بالحلة السيراء
ملك الطيور أتى إلى ملك الورى
فاستاقها لمؤمّل الخُلفَاءِ
من الحيوانات التي تم ذكرها في شعر شعراء الأندلس الذئب، واصفًا هذا الحيوان في شعر وذكر صفاته من غدر ومخاتلة، وفي ذلك الحيوان يقول ابن خفاجة:
ومفازةٍ لا نجم في ظلمائها
يسري ولا فلكٌ بها دوار
تتلهب الشعرى بها وكأنه
في كف زنجي الدُجى دينار
ترقي به الغيطان فيها والربُئ
دولاً كما يتموج التيار
والقطب ملتزم لمركزه بها
فكأنه في ساحةٍ مسمار
قد لفني فيها الظلام وطاف بي
ذئب يلمُّ مع الدجى زوار
وفي موضع آخر من مواضيع الشعر المتعددة نرى ابن زمرك يصف الزرافة وما تحمله من سمات في الشكل واللون وغير ذلك مما تميزت به عن باقي الحيوانات، فيقول:
موشية الأعطاف رائقة الحُلى
رقمت بدائع يدُ الأقدار
راقي العيون أديمها فكأنه
روض تفتح عن شقيق بهار
ما بين مبيض وأصفر فاقع
سال اللجين به خلال نُضار
وفي النهاية نستنتج أن الشاعر الأندلسي تأثر بالطبيعة الأندلسية الساكنة والمتحركة، ونرى ذلك التأثر بتناوله صفات الحيوانات التي يشاهدها في الأندلس ويوظفها في جميع أغراض الشعر التي ينظمها.