وصف الحيوان في العصر الأموي

اقرأ في هذا المقال


تأثر أهل الشعر في الفترة الأموية بالأحداث التي توالت في تلك الفترة، وأهم هذه المجريات هي انتقالهم من الحجاز إلى بلاد الشام المغايرة في بيئتها عن الحجاز، حيث تتمتع بلاد الشام بالخضرة الدائمة وكثرة الأنهار وجمال التضاريس التي تشغل القلوب بسحرها وتأسر العقول بجمالها، وكل ذلك كان له وقعٌ في نفس الشاعر الأموي الذي راح يصف كل ما يشاهده من مناظر خلابة.

وصف الحيوان في العصر الأموي

تفاعل رواد الأدب مع مشاهد البيئة التي نشأوا فيها فيَّصفون ويُعربون عن ما يرونه أمامهم ويرون فيه حسنٌ وجمال، ومن المعروف أن الشاعر في تلك الفترة قد نشأ في بداية الأمر في بيئة صحراوية بدوية، وللخيل رمزًا مقدسًا في نفوسهم كانوا مرتبطين بالخَيل برباط وثيق فهو الرفيق لهم في حياتهم البدوية بجمع أشكالها سواء في التنقل والترحال أو في المعارك.

ومن الشعراء الذي اهتموا بالخيل نذكر أبو تمام، فهي في نظره حيوان أصيل مخلص لصاحبه، وهي توصله إلى مبتغاه وتعينه على المشاق ولذلك نراه يفتخر بفرسه ويستخدم صفاتها لِيسبغها على ممدوحه كقوله:

ذو ناظرٍ حدبٍ وسمعٍ عائرٍ

نحو الطريد الصارخ المجهود

ونراه يتغنى بقوة سمع الحصان حيث أنشد:

سدك الكف بالندى عائرُ السمع

إلى حيثُ صرخةُ المكروب

كما لجأ أبو تمام إلى وصف شدة المعارك واحترامها بأنها كالخيل الجموح، وذلك يدل على تعلقه الشديد بالخيل ومثال على ذلك قوله:

والحرب تعلم حين تجهل غارةٌ

تغلي على حطب القنا المحطُوم

أنَّ المنايا طوع بأسك والوغى 

ممزوج كأسك من ردى وكُلُوم

والحرب تركب رأسها في مشهدٍ

عُدِلَ السفيه به بألف حليم

ونراه يتكلم عن صفات الخيل التي فتن بها وبجمالها ويصفها وهي تعدو إلى ساحة المعركة ومثال على ذلك وصفه لجمال صفات خيل المأمون حيث أنشد:

الشرق غرب حين تلاحظ قصيده

ومخالفُ اليمن القصي شآمُ

بالشدقميات العتاق كأنما

اشباحها بين الإمام إكامُ

والأعوجيات الجياد كأنها

تهوي وقد ونت الرياح سمام

وبعد الانتقال من الحياة الصحراوية في الحجاز ينتقل أهل الشاعر إلى الشام التي تغنوا بجمالها وجمال بيئتها وما تحتويه، حيث نراه يصور حيواناتها ومنها الظبية التي فتن بجمالها وإدراجها في أشعارهم في أكثر من صورة، ومثال على ذلك نرى امرؤ القيس يتحدث عن الظبية الأم ويقول:

فما أمُّ حِسفٍ بالعقيقين ترعى

إلى رشأ طفلٍ مفاصلُهُ خُدرُ

بمخضلّةٍ جاد الربيع زهاءها

رهائن وسمي سحائبه غُزرُ

وقفنا على أطلال ليلى عشيةً

بأجرعٍ حزوى وهي طامسة دُثرُ

يُجادُ بها مُزنان: أسحم باكرٌ

وآخر مِعهادُ الرَّواح له زجر

وأضفى على روض الخُزامى نسيمها

وأنوارها واخضوضَلَ الورق النّضرُ

ونرى عمر بن أبي ربيعة مفتون بجمال وروعة الظبية وينشد فيها أروع الأبيات قائلًا:

ما ظبيةُ من ظباء الأرا

ك تقرو دماث الرّبا عاشبا

بأحسن منها غداة الغميم

إذا أبدت الخدَّ والحاجبا

ونرى شاعرًا آخر من شعراء هذه الفترة مأخوذٌ بجمال الظبية وهو ذو الرُمّة حيث يقول:

فما ظبيةٌ ترعى مساقط رملةٍ

كسا الواكف الغادي لها وَرَقًا نضرا

تلاعًا هراقت عند حوضي وقابلت 

من الحبل ذي الادعاء آملة عُفرا

رأت أنسًا عند الخلاء فأقبلت

ولم تُبدِ إلا في تصرّفها ذُعرًا

بأحسن من ميّ عشيّةَ حاولت

لا تجعل صدعًا في فؤادك أو وقرا

ونرى الأخطل يشبه محبوبته بالظبية التي ترعى في الرياض ويلعب فيها مرحًا مطلقًا صوتًا ناعمًا، ويذكر جمال عيونه المكحولة وكأن الكحل خطها، ورغم كل هذه الصفات الجميلة في الظبية فإن محبوبة الشاعر في نظره أجمل وأرق منه، حيث يقول:

فما شادن يرعى الِمى ورياضها

يرودُ بمكحولٍ نؤومٌ موشح

بأحسن منها يوم جد رحيلنا

مع الجيش لابل هي أبضُّ وأصبحُ

ولن ننسى الناقة وذكرها في أبيات أهل الشعر الأموي، حيث كان لها نصيب وحظ وافر في أشعاره كالخيل، ومثال على ذلك يقول مجنون ليلى:

فما أمُّ سقبٍ هالكٍ في مضلّةٍ

إذا ذكرته آخر الليل حنَّن 

بأبرح مني لوعةً غير أنني

أجمجم أحشائي على ما أكنَّت

وطال وصف الحيوان في أبيات أهل الشعر البقرة ونرى جرير يقارن بينها وبين محبوبته، حيث أن البقرة تحنو  على صغيرها وتلاطفه وكذلك محبوبته ويقول:

ما ذاتُ أوراقٍ تصدى لجؤذرٍ

بحيث تلاقى عازبٌ فالأواعس

بأحسن منها يوم قالت: ألا ترى

لمن حولنا فيهم غيورٌ ونافس

كما نرى الأحوص يذكر بيضة النعام في أبياته وكيف أن البيضة لاقت الاهتمام والرعاية من ذكر النعام وكذلك الأنثى، وقاموا على التناوب في حضانتها وهي بذلك ليست أفضل من محبوبته ويطلب منها أن تتدلل وفي ذلك أنشد:

فما بيضة بات الظلِمُ يحُفّها

ويجعلها بين الجناح وحوصله

بأحسن منها يوم قالت تدلُّلًا

تبدَّل خليلي، إنني مُتبدّله

وكان للأسد نصيب في مقطوعات أهل الشعر في ذلك العصر حيث يلجأ أهل الشعر في تلك الفترة إلى تشبيه ممدوحيهم بالأسد وقوته وجرأتها، ومنه كلام جرير مادحًا الحجاج ومشبهًا إياه بالأسد حيث ينشد:

فما مخدرٌ وردٌ بخفان زَارُه

إلى القِرنِ زَجرَ الزاجين توَّردا

بأفضى من الحجاج في الحرب مُقدِمًا

إذا بعضهم هاب الخياض فعرَّدا

كما كان لطيور حضور في أشعار تلك الفترة ومنها الحمامة التي ذكرها محمد الأموي في أبياته وكانت ترمز للفقد، وفي ذلك يقول:

اشاقك برق ام شجتك حمامة

لها فوق اغصان الأراك نايم

أضاف اليها الهم فقدان الف

وليل يسد الخافقين بهيم

اقامت على ساق بليل فرجعت

وللوجد منها مقعد ومقيم

تميد اذا ما الغصن مادت متونه

كما ماد من ري المدام نديم

فباتت تناديه وأنى يجيبها

منوط بأطراف الرماح سهيم

رماه فأصماه ففار ولم يطر

فظل لها ظل عليه يحوم

فراحت بهم لو تضمن مثله

حشا ادمي راح وهو رميم

وظلت بأجزاع الغدير نهارها

مولعة كل المرام تروم

وكذلك ما خطه قلم الشاعر قيس بن الملوح فقال:

أَلا أَيُّها الطَيرُ المُحَلِّقُ غادِياً

تَحَمَّل سَلامي لا تَذَرني مُنادِيا

تَحَمَّل هَداكَ اللَهُ مِنّي رِسالَةً

إِلى بَلَدٍ إِن كُنتَ بِالأَرضِ هادِيا

إِلى قَفرَةٍ مِن نَحوِ لَيلى مَضَلَّةٍ

بِها القَلبُ مِنّي موثَقٌ وَفُؤادِيا

أَلا لَيتَ يَوماً حَلَّ بي مِن فِراقِكُم

تَزَوَّدتُ ذاكَ اليَومَ آخِرَ زادِيا

وفي النهاية نستنتج أن أهل الشعر في الزمن الأموي تأثروا في البيئة التي كانت ملهمة لهم فقاموا بتصوير كل شيء تقع عليه أنظارهم من حسن وجمال، ومن ذلك وصفهم للحيوانات وإسباغ صفاتها على محبوبة وكذلك الممدوح.


شارك المقالة: