وقفات مع سورة ص

اقرأ في هذا المقال


قال تعالى: ﴿ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (١) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ (٢) كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ (٣) وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (٤) أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (٥)) صدق الله العظيم.

موافقة أول السورة لآخرها:

بدأت السورة بذكر القرآن الكريم، قال تعالى ( ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (١)) صدق الله العظيم.

وخُتمت بذكر القرآن الكريم كذلك قال تعالى: (إِنۡ هُوَ إِلَّا ذِكۡرࣱ لِّلۡعَـٰلَمِینَ (٨٧)) صدق الله العظيم. وذلك لأنّ القرآن الكريم هو الحق المطلق، فمن أراد الحق فعليه بكتاب رب العالمين.

معنى ص:

اختلف أهل التأويل في معنى قول الله عزّ وجلّ: ﴿ص﴾ فقال بعضهم: هو من المصاداة، من صاديت فلانا، وهو أمر من ذلك، كأن معناه عندهم: صاد بعملك القرآن: أي عارضه به.

سبب النزول:

عن ابن عباس قال: نزلت سورة ” ص ” بمكة وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد، وعبد بن حميد، والترمذي وصححه، والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال: ” «لما مرض أبو طالب دخل عليه رهط من قريش فيهم أبو جهل، فقال: إنّ ابن أخيك يشتم آلهتنا ويفعل ويفعل ويقول ويقول، فلو بعثت إليه فنهيته، فبعث إليه، فجاء النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – فدخل البيت، وبينهم وبين أبي طالب قدر مجلس رجل، فخشي أبو جهل أن يجلس إلى أبي طالب ويكون أرقى عليه، فوثب فجلس في ذلك المجلس، فلم يجد رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – مجلساً قرب عمّه، فجلس عند الباب، فقال له أبو طالب أي ابن أخي ما بال قومك يشكونك ؟ يزعمون أنّك تشتم آلهتهم، وتقول وتقول، قال: وأكثروا عليه من القول، وتكلم رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – فقال: يا عم إنّي أريدهم على كلمة واحدة يقولونها تدين لهم بها العرب وتؤدي إليهم بها العجم الجزية، ففزعوا لكلمته ولقوله، فقال القوم: كلمة واحدة نعم وأبيك عشرا، قالوا فما هي ؟ قال: لا إله إلا الله، فقاموا فزعين ينفضون ثيابهم، وهم يقولون فقال تعالى على لسانهم: ﴿أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب﴾ صدق الله العظيم [ص: ٥] فنزل فيهم ﴿ص والقرآن ذي الذكر﴾ إلى قوله تعالى: ﴿بل لما يذوقوا عذاب﴾» صدق الله العظيم [ص: ١ – ٨] .

المحور الرئيسي:

الرجوع للحق.

مواضيع السورة المباركة:

  • ذكر حال استكبار الكافرين، وبعدهم عن الحق ومخاصمتهم للحق.
  • ذكر بعض صور المستكبرين، والمكذبين قال تعالى ﴿كَذَّبَتۡ قَبۡلَهُمۡ قَوۡمُ نُوحࣲ وَعَادࣱ وَفِرۡعَوۡنُ ذُو ٱلۡأَوۡتَادِ (١٢) وَثَمُودُ وَقَوۡمُ لُوطࣲ وَأَصۡحَـٰبُ لۡـَٔیۡكَةِۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ ٱلۡأَحۡزَابُ (١٣) إِن كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ ٱلرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ (١٤)) صدق الله العظيم.
  • شدّة عناد المشركين واستخفافهم بوعد الله ووعيده قال تعالى: (وَقَالُوا۟ رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا قَبۡلَ یَوۡمِ ٱلۡحِسَابِ (١٦))صدق الله العظيم.
  • ذكر صور من تخاصم أهل النار قال تعالى: (هَـٰذَا فَوۡجࣱ مُّقۡتَحِمࣱ مَّعَكُمۡ لَا مَرۡحَبَۢا بِهِمۡۚ إِنَّهُمۡ صَالُوا۟ ٱلنَّارِ (٥٩) قَالُوا۟ بَلۡ أَنتُمۡ لَا مَرۡحَبَۢا بِكُمۡۖ أَنتُمۡ قَدَّمۡتُمُوهُ لَنَاۖ فَبِئۡسَ ٱلۡقَرَارُ (٦٠) قَالُوا۟ رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هَـٰذَا فَزِدۡهُ عَذَابࣰا ضِعۡفࣰا فِی ٱلنَّارِ (٦١) وَقَالُوا۟ مَا لَنَا لَا نَرَىٰ رِجَالࣰا كُنَّا نَعُدُّهُم مِّنَ ٱلۡأَشۡرَارِ (٦٢)) صدق الله العظيم.

فوائد ولطائف حول السورة المباركة:

رد الحق بحجّة التآمر على الآخرين، تهمة كانت ترميها الأمم السابقة، وتوارثها دعاة الباطل قال تعالى: ( ﴿وَٱنطَلَقَ ٱلۡمَلَأُ مِنۡهُمۡ أَنِ ٱمۡشُوا۟ وَٱصۡبِرُوا۟ عَلَىٰۤ ءَالِهَتِكُمۡۖ إِنَّ هَـٰذَا لَشَیۡءࣱ یُرَادُ﴾ [ص ٦] صدق الله العظيم، وقال القفال: هذه كلمة تذكر للتهديد والتخويف، والمعنى: أنه ليس غرضه من هذا القول تقرير الدين، وإنما غرضه أن يستولي علينا، فيحكم في أموالنا، وأولادنا بما يريد.

  • لا تحول خلافك مع الآخرين تُنسيك رابطة الإخوة قال تعالى ﴿إِنَّ هَـٰذَاۤ أَخِی لَهُۥ تِسۡعࣱ وَتِسۡعُونَ نَعۡجَةࣰ وَلِیَ نَعۡجَةࣱ وَ ٰ⁠حِدَةࣱ فَقَالَ أَكۡفِلۡنِیهَا وَعَزَّنِی فِی ٱلۡخِطَابِ﴾، صدق الله العظيم.
  • أكثر ما يشغل بال الصادقين والعارفين، (ذكرى الدار الآخرة) قال تعالى: (إِنَّاۤ أَخۡلَصۡنَـٰهُم بِخَالِصَةࣲ ذِكۡرَى ٱلدَّارِ (٤٦) وَإِنَّهُمۡ عِندَنَا لَمِنَ ٱلۡمُصۡطَفَیۡنَ ٱلۡأَخۡیَارِ (٤٧)) صدق الله العظيم.
  • قوله تعالى : ﴿وَٱذۡكُرۡ عَبۡدَنَاۤ أَیُّوبَ إِذۡ نَادَىٰ رَبَّهُۥۤ أَنِّی مَسَّنِیَ ٱلشَّیۡطَـٰنُ بِنُصۡبࣲ وَعَذَابٍ﴾ صدق الله العظيم، قال الرازي رحمه الله تعالى : واعلم أنَّ داود وسليمان كانا ممَّن أفاض الله عليه أصناف الآلاء والنعماء، وأيوب كان ممَّن خصه الله تعالى بأنواع البلاء، والمقصود من جميع هذه القصص الاعتبار. كأن الله تعالى قال: يا محمد اصبر على سفاهة قومك فإنّه ما كان في الدنيا أكثر نعمة ومالاً وجاهاً من داود وسليمان عليهما السلام، وما كان أكثر بلاء ومحنة من أيوب، فتأمل في أحوال هؤلاء لتعرف أن أحوال الدنيا لا تنتظم لأحد، وأنّ العاقل لا بد له من الصبر على المكاره.

شارك المقالة: