وقفات وتأملات من سورة البينىة

اقرأ في هذا المقال


ما جاء في السورة من أحاديث:

أخرج أحمد وابن قانع في معجم الصحابة والطبراني، وابن مردويه عن أبي حية البدري قال: «لمّا نزلت ﴿لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب﴾ إلى آخرها قال جبريل: يا رسول الله إن ربك يأمرك أن تقرئها أبيا- أي : أبي بن كعب – ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي: إنّ جبريل أمرني أن أقرئك هذه السورة، فقال أبي: وقد ذكرت ثم يا رسول الله ؟ قال: نعم، فبكى» .
قوله تعالى: (لَمۡ یَكُنِ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَـٰبِ وَٱلۡمُشۡرِكِینَ مُنفَكِّینَ حَتَّىٰ تَأۡتِیَهُمُ ٱلۡبَیِّنَةُ (١)) صدق الله العظيم، أهل الكتاب هم اليهود والنصارى، والمشركون هم عبدة الأوثان، ويدخل فيهم عبدة النار، من المجوس، وغيرهم، فالله تعالى يخبر أن اليهود والنصارى والمشركين لم يكونوا مُنفكين أي: مُنتهين عما هم فيه حتى تأتيهم البينة، والبينة: هي صفة رسول الله صلى الله عليه وسلمم، وثم قولٌ آخر ألأهل العلم، قالوا: لم يكونوا منفكين أي: زائلين، فالانفكاك الزول.


والبينة: البيان الواضح، الذي يُبين لهم أحكام الله، وأمره، ونهيه، وحلاله، وحرامه.

 قوله تعالى: (رَسُولࣱ مِّنَ ٱللَّهِ یَتۡلُوا۟ صُحُفࣰا مُّطَهَّرَةࣰ (٢)) صدق الله العظيم، أي صحف مطهرةٌ عن اللغوِ، وعن الزيادة والنقصان.

قوله تعالى: (فِیهَا كُتُبࣱ قَیِّمَةࣱ) أي كتبٌ قويمةٌ عادلة، تهدي إلى الطريق المستقيم، لأنّها من عند الله تعالى، قال تعالى: ﴿إِنَّ هَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ یَهۡدِی لِلَّتِی هِیَ أَقۡوَمُ وَیُبَشِّرُ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ ٱلَّذِینَ یَعۡمَلُونَ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ أَنَّ لَهُمۡ أَجۡرࣰا كَبِیرࣰا﴾ صدق الله العظيم [الإسراء ٩] قال أهل التفسير: أي: أصوب من غيرها من الطرق وهي ملة الإسلام.

قوله تعالى: ﴿وَمَا تَفَرَّقَ ٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ ٱلۡكِتَـٰبَ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَاۤءَتۡهُمُ ٱلۡبَیِّنَةُ﴾ صدق الله العظيم[البينة ٤] وهذا ذمٌ عظيم لهم، ما تفرقوا إلّا من بعد ما جاءتهم البينة، والواجب عليهم أن يجتمعوا بعد ما جاءتهم البينة، والبينة هي كتاب الله تعالى، وبعثته الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا أيضاً ذمٌ لكلِ عبدٍ من عباد الله تعالى، خالف وترك منهج رسول الله عليه وسلم.

قوله تعالى: ﴿وَمَاۤ أُمِرُوۤا۟ إِلَّا لِیَعۡبُدُوا۟ ٱللَّهَ مُخۡلِصِینَ لَهُ ٱلدِّینَ حُنَفَاۤءَ ﴾ صدق الله العظيم[البينة ٥] وهنا فيه الحث على إخلاص العمل لله تعالى، فالإخلاص شرطٌ من شروط صحة الأعمال، وقبولها وقال ذي النون رضي الله تعالى عنه قال: ثلاث من علامات الاخلاص استواء المدح والذم من العامة ونسيان رؤية الأعمال في الأعمال واقتضاء ثواب العمل في الآخرة. وجاء عن السيد الجليل الإمام التابعي مكحول رضي الله تعالى عنه قال:  ما أخلص عبد قط أربعين يوما إلّا ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه.

قوله تعالى(وَیُقِیمُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَیُؤۡتُوا۟ ٱلزَّكَوٰةَۚ وَذَ ٰ⁠لِكَ دِینُ ٱلۡقَیِّمَةِ) صدق الله العظيم، هذا نص أنّ الصلاة والزكاة من أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، وقد سمّى الله تعالى: ( الصلاة والزكاة ) بالدين، وهذا دليل على أنّ الأعمال الصالحة من الإيمان، خلافاً للخوارج، الذين يقولون: بأنّ الأعمال شرطٌ في صحة الإيمان، وكفروا مرتكب الكبيرة.

قوله تعالى: ﴿إِنَّ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمۡ خَیۡرُ ٱلۡبَرِیَّةِ﴾ صدق الله العظيم[البينة ٧] استدل جماعةٌ من العلماء بهذه الآية على تفضيل صالح البشر على الملائكة.

قوله تعالى: ﴿جَزَاۤؤُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ جَنَّـٰتُ عَدۡنࣲ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُ خَـٰلِدِینَ فِیهَاۤ أَبَدࣰاۖ رَّضِیَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ وَرَضُوا۟ عَنۡهُۚ ذَ ٰ⁠لِكَ لِمَنۡ خَشِیَ رَبَّهُۥ﴾ صدق الله العظيم [البينة ٨] قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة، فيصبغ في النار صبغةً، ثم يقال: يا ابن آدم هل رأيت خيراً قط؟ هل مر بك نعيمٌ قط؟ فيقول: لا والله يا رب، ويؤتى بأشد الناس بؤساً في الدنيا من أهل الجنة، فيصبغ صبغةً في الجنة، فيقال له: يا ابن آدم هل رأيت بؤساً قط؟ هل مر بك شدةٌ قط؟ فيقول: لا، والله ما مرّ بي بؤسٌ قط، ولا رأيت شدةً قط، كل الآلآم والهموم تنساها في أول غمسةٍ في جنات النعيم.

سبحان الله – فالله سبحانه وتعالى قال: (خَـٰلِدِینَ فِیهَاۤ أَبَدࣰاۖ رَّضِیَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ وَرَضُوا۟ عَنۡهُۚ ذَ ٰ⁠لِكَ لِمَنۡ خَشِیَ رَبَّهُۥ) صدق الله العظيم، وجاء عن أبي سعيد قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((إنّ الله تعالى يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة، فيقولون: لبيك ربنا وسعديك، والخير كله في يديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى يا رب، وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك؟ فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون: يا رب، وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً)) متفق عليه.

المصدر: زاد المسير — ابن الجوزيجامع البيان — ابن جرير الطبريفتح البيان — صديق حسن خانروح المعاني — الآلوسي


شارك المقالة: