ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا :
العاقبة للمظلوم، ودعوة المظلوم لا تُرد، وليس بينها وبين الله حجاب، ونصرة المظلوم أمرٌ شرعي، وقدر كوني، قال تعالى: ﴿وَلَا تَقۡتُلُوا۟ ٱلنَّفۡسَ ٱلَّتِی حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلَّا بِٱلۡحَقِّۗ وَمَن قُتِلَ مَظۡلُومࣰا فَقَدۡ جَعَلۡنَا لِوَلِیِّهِۦ سُلۡطَـٰنࣰا فَلَا یُسۡرِف فِّی ٱلۡقَتۡلِۖ إِنَّهُۥ كَانَ مَنصُورࣰا﴾ صدق الله العظيم[الإسراء ٣٣] ففي شرع الله تعالى جعل الله الولي المقتول سُلطاناً على القاتل، فإمّا القتل أو الديه أو العفو، وأخبر سبحانه وتعالى بنصرة المظلوم، وهذه النُصرة تكون في الوقت والطريقة التي يُقدرها الحكيم.
ولا شكَ أنّ المظلوم أن يعملَ الأسباب في رفع المظلمة، وألا يتكل على النصر المحض من رب العالمبن؛ فقد جرت العادة أن النصر من رب العالمين يحتاج لبذل السبب حسب الوسع والطاقة، حتى المُعجزات الربانية لأنبيائه ورسله فيها شيء من العمل، ( فموسى عليه السلام) نصره ربه على القومِ الظالمين، لكنه عمل بالأسباب إلى أن ضرب بعصاه البحر، وقد كان الله قادراً على أن يفلق البحر دون أن يضربه بعصاه، قال تعالى: ﴿فَأَوۡحَیۡنَاۤ إِلَىٰ مُوسَىٰۤ أَنِ ٱضۡرِب بِّعَصَاكَ ٱلۡبَحۡرَۖ فَٱنفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرۡقࣲ كَٱلطَّوۡدِ ٱلۡعَظِیمِ﴾ [الشعراء ٦٣]
(ومريم عليها السلام) في حالِ مخاضها والآمها جاءها الأمر، قال تعالى: ﴿وَهُزِّیۤ إِلَیۡكِ بِجِذۡعِ ٱلنَّخۡلَةِ تُسَـٰقِطۡ عَلَیۡكِ رُطَبࣰا جَنِیࣰّا﴾ [مريم ٢٥] فجعل هزّ الجذع سبباً في تساقط الرطب، إن الانتظار المحض للنصر عمل غير شرعي، بل العمل ما أمكن، حتى يأخذ الله بنصره وفرجه.
ومن الخطورة بمكانٍ أن يتحولَ المظلوم إلى ظالم، جرّاء الثأر والتوسع في أخذ الحق، ولذلك جاء الأمر الرباني بقوله تعالى: ﴿وَلَا تَقۡتُلُوا۟ ٱلنَّفۡسَ ٱلَّتِی حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلَّا بِٱلۡحَقِّۗ وَمَن قُتِلَ مَظۡلُومࣰا فَقَدۡ جَعَلۡنَا لِوَلِیِّهِۦ سُلۡطَـٰنࣰا فَلَا یُسۡرِف فِّی ٱلۡقَتۡلِۖ إِنَّهُۥ كَانَ مَنصُورࣰا﴾ صدق الله العظيم[الإسراء ٣٣] فقوله ( فلا يسرف في القتل) وكم يشهد الواقع من إسرافٍ في القتلِ، والتذرع بالمظلومية في ظلم الخلق.
﴿فلا يسرف﴾ أي الولي ﴿في القتل﴾ أي: فلا يتجاوز الحد المشروع فيه بأن يقتل اثنين مثلا والقاتل واحد كعادة الجاهلية؛ فإنّهم كانوا إذا قتل منهم واحد قتلوا قاتله وقتلوا معه غيره.
وروي هذا عن زيد بن أسلم فقد أخرج البيهقي في سننه عنه أن الناس في الجاهلية إذا قتل من ليس شريفا شريفا لم يقتلوه به وقتلوا شريفاً من قومه فنهى عن ذلك أو بأن يزيد على القتل المثلة كما قيل.