قصة جندي الصفيح الصامد

اقرأ في هذا المقال


يُعتبر الكاتب والأديب هانس كريستيان أندرسن وهو من مواليد دولة الدنمارك من أبرز المؤلفين الذين برزوا في كتابة القصص القصيرة والروايات، ومن أهم القصص التي اشتهر بها هي قصة جندي الصفيح الصامد.

قصة جندي الصفيح الصامد

في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة حول خمسة وعشرون جندي تمت صناعتهم من مادة الصفيح لواحدة من المعالق، وقد كانوا جميعهم أشقاء، كانوا يحملون البنادق في أيديهم ووجوههم كانت موجهه إلى الأمام، أمّا ملابسهم فكانت ملونة باللون الأزرق والأحمر، وقد كان أول كلام ألقي على مسامعهم عند فتح العلبة التي يقطنون بها هي عبارة: يا إلهي إنهم جنود مصنوعين من الصفيح، وكانت قد خرجت من أحد الأطفال الذي تلقى تلك العلبة كهدية لعيد ميلاده.

وأول ما أمسك الطفل بالجنود وضعهم على الطاولة، وقد كان اثنين من الجنود يتشابهون إلى حد كبير سوى واحد منهم كان مختلف قليلاً، إذ كان لا يملك سوى قدم واحدة؛ إذ كان آخر جندي تمت صناعته من المعلقة، فلم يكن يبقى هناك مادة لإتمام صنعه، ولكنه كان صامد تماماً حالة كحال باقي الجنود، ولكنه هو الوحيد الذي سوف يثير العجب في القصة.

قام الولد بوضع الجنود على الطاولة التي يتواجد عليها الكثير من الألعاب الأخرى كذلك، ولكن أكثر الأشياء التي وقع النظر عليها كانت قلعة جميلة جداً كانت مصنوعة من الورق، إذ يمكن للمرء أن يشاهد ما بداخلها عبر نوافذها الصغيرة، وكان حول القلعة بعض الأشجار التي تحيط بها ومرآة صغيرة، وتلك المرآة كانت مثل بحيرة صغيرة تسبح فيها مجموعة من البجع المصنوع من الشمع، وتعكس المرآة صورة البجع بشكل جميل.

والأكثر روعة في تلك القلعة أنه كان هناك فتاة صغيرة تقت على الباب، كانت هي أيضاً تم قصتها من الورق، إذ تلبس تنورة مصنوعة من الكتان، وحزام لونه أزرق موضوع على كتفيها مثل وشاح يوجد في منتصفه جوهرة كبيرة بحجم وجه الفتاة بأكمله، وكانت هيئة الفتاة تمد بذراعيها لأنها كانت تجسد شخصية راقصة باليه، وكانت ترفع إحدى قدميها إلى مستوى عالي جداً، مما جعل جندي الصفيح لم يرى القدم الأخرى ويظن أنها تمتلك قدم واحدة مثله.

وهنا بدأ يفكر الجندي الصفيح أنها تصلح كزوجة له وقال: إنها تبدو من مقام رفيع وتعيش في قلعة جميلة، أما أنا فلا أملك غير مجرد علبة أقطن بها، كما أنني أتقاسمها مع أخوتي الجنود وهو مكان لا يليق بها، ولكن مع ذلك ينبغي أن أتعرف عليها، وعندها استلقى على الطاولة وراء علبة التبغ التي كانت موجودة على الطاولة، حيث كان يمكنه من هناك مشاهدة تلك الفتاة بشكل أفضل، والتي كانت ما زالت تقف على ساق واحدة دون أن تفقد توازنها.

وعند حلول المساء ذهب سكان البيت إلى النوم وعندها دخل الجنود في علبتهم، كما بدأت ألعاب الأطفال باللعب وهن لعبة الحرب ولعبة الغريب إذ أقيم حفل راقص، وقد ضجروا الجنود من علبتهم؛ فقد كانوا يريدون مشاركة الألعاب في حفلهم الراقص، ولكنهم في تلك الأثناء لم يتمكنوا من فتح غطاء العلبة، وفي تلك اللحظة كانت كسارة البندق بدأت تتشقلب في الهواء مما أدى إلى فتح علبتهم، وكان كذلك الطبشور بدأ يلعب ويهرج على اللوحة.

ولقد كان الحفل الراقص جميل جداً كما أحدثوا ضجة عارمة جعلت طائر الكناري يفيق من نومه، ويبدأ الحديث معهم من أجل أن يهدئوا من تلك الضجة ولكن دون فائدة، إذ كانا الوحيدان اللذان لم يتحركا من أماكنهم، كانا الجندي وراقصة الباليه، التي بقيت واقفة على طرف إبهام رجلها، والجندي كان ثابت في مكانه على قدم واحدة، ولم تغيب عن عينه الفتاة للحظة.

وفي تمام الساعة الثانية عشر فجأة طار غطاء علبة التبغ، إذ لم يكن في ذلك الوقت تبغ في العلبة، بل خرج منها عفريت أسود صغير، وقد كان العفريت عبارة عن لعبة من قطعة فنية جميلة، وقال العفريت في حينها: أنت أيها الجندي ألا تكف نظرك عن الفتاة، وهنا تصنع الجندي وكأنه لم يسمع شيء، فقال العفريت: على كل حال سوف ترى في الغد، وعندما حلول الصباح وأفاق الأطفال من النوم كان الجندي قد تم وضعه عند الشباك، أكان العفريت أم تيار الهواء هو الذي فتح النافذة فجأة.

وفي تلك اللحظة تم دفع الجندي مرة واحدة وسرعان ما سقط على رأسه من الطابق الثالث، وكان قد حدث ذلك بسرعة مخيفة، فتعلقت ساقه في الهواء، وفي تلك الأثناء سرعان ما نزلت مدبرة المنزل والولد الصغير للبحث عنه، وعلى الرغم من أنهما قد أوشكا أن يدوسا عليه، فلم يتمكنا مع هذا من مشاهدته، فقالت المدبرة لو كان يصيح ويقول أنا هنا لوجداه بالتأكيد، ولكنه لم يجد في الصراخ العالي أمراً يليق به، وهو يرتدي الزي العسكري.

وهنا بدأت تتساقط الأمطار وتتوالى قطرة بعد الأخرى، وقد تكاثر على الفور بشكل غزير جدًا، وحين توقف المطر مرّ من هناك ولدان فقال الطفل الأول: أنظر هناك جندي من الصفيح هيا لنجعله يبحر، وصنع الطفلان قارب من ورق الجرائد، ثم وضعا الجندي فيه وراح القارب يبحر به في مجرى تصريف المياه في الشارع، وسار في نفق، أصبح الجو مظلم تماماً كما لو أنه قد دخل العلبة، فكر الجندي وقال: يا ترى أين سوف أصل، يا ليت أن لو كانت الفتاة في القارب معي، لما كنت سوف أهتم حتى لو كانت الظلمة بدرجة مضاعفة.

وهنا أصبح التيار يندفع بشكل أقوى، وصار بإمكان الجندي أن يلمح ضوء النهار من خلال فتحة المجاري إلى الشارع، ولكنه سمع حينها أيضًا صوت خرير ماء مندفع بقوة شديدة جداً، يجعل أشجع الجنود يرتعب، حيث كان الماء يندفع في نهاية فتحة المجاري بقوة عارمة باتجاه قناة كبيرة، لكن مع كل ذلك كان الجندي صامد على الرغم من أن الإبحار كان خطير عليه، وفي تلك الأثناء كان قد اقترب الجندي كثير من القناة، فلم يعد بإمكانه أن يوقف القارب، وبقى الجندي لم يعد باستطاعته أن يرمش له جفن حتى.

بدأ القارب يغرق أكثر فأكثر وبدأ ورق الجريدة يذوب حتى وصل الماء إلى رأس الجندي، حينها فكر براقصة البالية الرقيقة، التي اعتقد أنه لن يراها بعد الآن، وفي تلك اللحظة سمع صوت أغنية للعبة يلعبها الأطفال، وهنا بدأ يشد من أزر نفسه محاول الوصول إلى ذات المنزل الذي كان به، بدأ ورق القارب بالتمزق، وهنا سقط الجندي في الماء وسرعان ابتلعته سمكة كبيرة، فكان المكان أشد ظلمة من المكان الذي بداخل المجاري، وبالرغم من ضيق المكان بقى الجندي ممدد على طوله وبندقيته في ذراعه، اندفعت السمكة سابحة في الماء، بحركات مضطربة حتى رقدت في الأخير، وفي ذلك الوقت اخترقها ضوء مثل الشعاع وصاح شخص ما: ما هذا الجندي المصنوع من الصفيح.

فقد تم صيد السمكة وبيعها في السوق ومن ثم وصولها إلى مطبخ المنزل الذي كان بسكن به الجندي، وبينما كانت تقطعها الطباخة بسكين كبيرة، وأخرجت منها جندي وحملته إلى غرفة المعيشة، حيث كان الجميع ينتظر عودة الجندي ورؤيته من جديد بعد أن قطع تلك الرحلة الطويلة، كادت دمعة الجندي تنزل على خده جراء رؤيته لأصدقائه وراقصة البالية من جديد.

لكن في تلك اللحظة ومن دون سابق إنذار قام أحد الأطفال بإمساك الجندي وقذفه في نار الموقد، فلم يكن فعل ذلك الطفل من تلقاء نفسه، إذ كان مُسير من قبل العفريت، وهنا في تلك اللحظة هبت نسائم الهواء من نافذة المنزل ودجت براقصة البالية إلى جانبه، وفي صباح اليوم التالي حين جاءت الخادمة لتزيل الرماد من الموقد شاهدت أن الجندي قد أصبح عبارة عن شكل قلب صغير، بينما راقة البالية فهمدت تماماً ولم يبقلا منها سوى الجوهرة الصغيرة.

المصدر: The Story of the Steadfast Tin Soldier


شارك المقالة: