قد يصل عدد سكان العالم إلى ما يقارب 9.6 مليارات نسمة بحلول 2025، بحسب الأرقام الصادرة عن منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (FAO). تزايد عدد سكان العالم بنحو ثلاثة أشخاص كل ثانية، أي ما يعادل 250 ألف شخص في اليوم الواحد، ومع هذه الزيادة الكبيرة المتوقعة في عدد السكان، تزداد المخاوف تجاه توفير الغذاء وتحقيق الأمن الغذائي لسكان الأرض والحفاظ على الأراضي الصالحة للزراعة، خصوصًا مع تفاقم مشاكل تغير المناخ ونضوب الموارد النفطية وتلوث المياه والتربة.
حيث أن التقدم في التقنيات الحديثة قد ساهم بشكل فعّال في المساهمة في تغطية الاحتياجات الغذائية المتزايدة لسكان العالم، ولتغطية هذه الزيادة المستمرة حرص القطاع الزراعي على العمل على زيادة الإنتاجية الغذائية مع الحرص على الحفاظ على البيئة، واستخدام الموارد الطبيعية بشكل رشيد، لكنهم لا يستطيعون القيام بذلك بمفردهم، كما أن أساليب الزراعة التقليدية لا تمكنهم من فعل ذلك، من خلال استخدام أنظمة إدارة وتحليل البيانات، وتقنيات التحكم عن البعد، إضافة إلى استخدام أبرز تقنيات الثورة الصناعية الرابعة مثل الذكاء الاصطناعي والروبوت وإنترنت الأشياء، وذلك لجعل الزراعة أكثر إنتاجيةً وربحية وأقل ضرراً على البيئة وأقل استهلاكاً لموارد الأرض.
مفهوم الزراعة الذكية
يمكننا تعريف الزراعة الذكيّة بأنها نظام مكوّن من تقنيات حديثة في مجالات زراعة الأغذية بطرق منظمة وسليمة، والعمل على تخفيض استهلاك الموارد الطبيعية لا سيما المياه، حيث تمتاز باعتمادها على نظم إدارة وتحليل المعلومات لاتخاذ أفضل قرارات الإنتاج الممكنة بأقل التكاليف، وكذلك أتمتة العمليات الزراعيّة كالري ومكافحة الآفات ومراقبة التربة ومراقبة المحاصيل، كما تتميز المزارع الذكيّة بإمكانية حقيقية لتقديم إنتاج زراعي أكثر إنتاجية واستدامة استنادًا إلى نهج أكثر كفاءة في استخدام الموارد.
يقوم المستهلكين بنشر أجهزة الاستشعار في أي مكان يريدون على حسب حاجتهم، سواءً كانت هذه الأجهزة على الأرض أو في الماء أو في المركبات لجمع البيانات عن المدخلات المستهدفة، مثل رطوبة التربة وصحة المحاصيل، ويتم تخزين البيانات التي تم جمعها على خادم أو نظام الحوسبة السحابية لا سلكياً، ويمكن الوصول إليها بسهولة من قبل المزارعين عبر الإنترنت بالحواسيب أو الهواتف الذكية اعتماداًعلى السياق المتبع فيمكن اختيار التحكم يدوياً بالأجهزة المتصلة أو الأتمتة بالكامل للعمليات لأي من الإجراءات المطلوبة للوصول إلى المزيد من الفوائد المتوقعة من تطبيقات إنترنت الأشياء.
الزراعة الذكيّة وإنترنت الأشياء:
تعتبر هذه التقنية من أهم التقنيات المستخدمة في الزراعة الذكية، حيث تعمل على مبدأ عملية اتصال مختلف الأجهزة بعضها ببعض عبر الإنترنت من الهواتف الذكية، الأجهزة المنزلية وكذلك الأنظمة المستخدمة في المصانع والحقول الزراعيّة، بحيث يمكن تشغيلها والتحكم بها وإرسال واستقبال البيانات منها عن طريق الإنترنت، ومن أبرز تطبيقات إنترنت الأشياء في الزراعة الذكيّة ما يسمّى بالزراعة الدقيقة، أي النهج المستخدم في إدارة المزارع والتحكم في المحاصيل من خلال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وأجهزة الاستشعار وأنظمة التحكم عن بعد والآلات ذاتية التشغيل، بهدف الحصول على بيانات دقيقة واستثمار هذه البيانات في توجيه الزراعة توجيهًا دقيقًا نحو إنتاج أكبر بتكلفة أقل وإنتاج محاصيل ذات جودة عالية.
يمكن لأجهزة الاستشعار عن بعد المتوافرة في حقول المزارعين الحصول على خرائط تفصيلية لكل من التضاريس والموارد في المنطقة، بالإضافة إلى قيامها بقياس المتغيرات مثل الحموضة ودرجة حرارة التربة والرطوبة، كما يمكنها كذلك التنبؤ بأنماط الطقس لأيام وأسابيع قادمة، تساعد الزراعة الدقيقة المعتمدة على إنترنت الأشياء على اتخاذ القرارات الأفضل لتحسين الإنتاج الزراعي، إضافة لذلك تلعب البيانات التي يتم جمعها وتحليلها، دور كبير في رصد الآفات الزراعية وتحديد كمية المبيدات المطلوبة بدقة؛ تجنباً للاستخدام المفرط في استعمالها، وكذلك تساعد عمليات جمع وتحليل البيانات في ترشيد وتقليل من استخدام المياه في الري.
كما توفر هذه التقنيات المتقدمة فائدة مهمة لأصحاب البيوت الزراعية المصنوعة من الزجاج، وذلك من خلال مراقبة درجة الحرارة ومستويات الضوء والرطوبة والضغط الجوي، واستهلاك المياه داخل البيت الزجاجي من خلال بوابة إلكترونية تتيح للمزارعين استلام إشعارات عند حدوث أي تغيير في هذه المعلومات، كما يمكن التحكم عن بعد بأجهزة رفع أو خفض درجة الحرارة، والتحكم بمستوى الإضاءة وفتح وإغلاق النوافذ عن طريق الإنترنت، ومن التطبيقات الأخرى الهامة لإنترنت الأشياء في الزراعة الذكية استخدام الطائرات المسيرة بدون طيار، وذلك لرصد المحاصيل وتقييمها وتصوير الأراضي الزراعية ورسم الخرائط وقياس مكونات الهواء، إضافة إلى رش المحاصيل بالمبيدات بشكل سريع وآمن وإرسال البيانات بشكل فوري إلى برمجيات تقوم بتحليلها وتوجيه المزارعين إلى تنفيذ الإجراءات الأفضل.