التيارات البحرية للقارة الأفريقية

اقرأ في هذا المقال


ما هي التيارات البحرية للقارة الأفريقية؟

إن مناخ السواحل الشرقية والسواحل الغربية للقارة يتأثر بالتيارات البحرية التي لا يكون أثرها على درجة حرارة هذه السواحل، بل يظهر أيضاً في رطوبة الجو وما يلحق هذه الرطوبة من مظاهر التكثف المختلفة، ففي الغرب نرى أن تياري الكناريا في الشمال وبنجويلا في الجنوب قد عملا كثيراً على نقصان درجة الحرارة على السواحل التي يمران بها.
حيث يظهر أثر تيار الكناريا على طول الساحل الذي يمتد ما بين بوغاز جبل طارق في الشمال وخط عرض 12 درجة شمالًا خلال فصل الشتاء أو خط عرض 17 درجة خلال فصل الصيف في الجنوب؛ وذلك تبعاً لتحرك المناطق الحرارية العامة وأهم الآثار المناخية لهذا التيار البارد هي نقصان درجة الحرارة على السواحل التي يمر بها وزيادة احتمال حدوث الضباب.
كما أن هذا التيار يعتبر عاملاً أساسياً في قلة هطول الأمطار على هذه السواحل، ونستطيع أن ندرك مدى تأثير تيار الكناريا على درجة الحرارة إذا عرفنا أن درجة حرارة الهواء الذي يقع فوقه بشكل مباشر، قد تنقص كثيراً عن درجة حرارة الهواء على مسافة قصيرة في الداخل على نفس خط العرض، ويزداد الفرق بشكل خاص خلال فصل الصيف بسبب اشتداد درجة حرارة اليابس.
وتعمل الرياح التجارية الشمالية الشرقية، وهي الرياح التي تحدث في شمال القارة على نقص درجة حرارة المياه الساحلية بطريقة غير مباشرة، حيث أنها تعمل بشكل مستمر عند خروجها من اليابس على إزالة الطبقة السطحية من المياه المجاورة للساحل ودفعها بعيداً عنه فتكشف بذلك الطبقة التي تحتها، حيث تكون درجة حرارتها أقل من المياه السطحية، ولهذا فإن معدل درجة حرارة مياه الساحل تبقى منخفضة بشكل عام ولا تزيد في أي شهر من شهور العام على 18 درجة مئوية، بينما يزداد المعدل في كثير من الأجزاء الداخلية داخل الصحراء على 32 درجة مئوية في أشهر فصل الصيف.
ولا يقل تأثير تيار بنجويلا على مناخ الجهة الجنوبية من الساحل الغربي عن تأثير تيار الكناريا في الشمال فهو يعمل أيضاً على تقليل درجة حرارة السواحل التي يمر بها بشكل واضح، فضلاً عن أنه يساعد على كثرة ظهور الضباب وقلة هطول الأمطار على هذه السواحل، وليس من شك في أن وجود تياري الكناريا وبنجويلا الباردين، حيث يعتبر من أهم العوامل التي عملت على امتداد المناخ الصحراوي في شمال أفريقيا وجنوبها باتجاه الغرب، حيث أن هذا المناخ يتم وصوله إلى ساحل المحيط الأطلسي بشكل مباشر، وكما نرى أن تأثير تيار بنجويلا يظهر على الساحل الغربي لأفريقيا الجنوبية ما بين خط الاستواء في الشمال ورأس الرجاء الصالح في الجنوب.
وإلى جانب تأثير تياري الكناريا وبنجويلا الباردين فإن الساحل الغربي لأفريقيا يتأثر بتيار ثاني دافئ يشتهر باسم تيار غانة، وهو تيار استوائي يتم ظهوره على الساحل الذي يمتد بين النقطتين اللتين ينتهي، عندهما أثر التيارين السابقين، أي يكون ما بين خط الاستواء وخط عرض 12 درجة شمالاً خلال فصل الشتاء و17 درجة شمالاً أيضاً في فصل الصيف وكما يزداد معدل درجة حرارة مياه هذه التيار على 26 درجة مئوية، ولهذا فإنها تكون عاملاً يساعد على رفع درجة الحرارة وزيادة كمية بخار الماء على السواحل التي تمر بها.
وإذ انتقلنا إلى الساحل الشرقي فنرى أن نظام التيارات البحرية يتباين خلال فصل الشتاء عنه خلال فصل الصيف؛ والسبب في ذلك أن التيارات البحرية في الجهة الشمالية من المحيط الهندي تتأثر باتجاه هبوب الرياح الموسمية التي تخرج من القارة الآسيوية باتجاه المحيط في فصل الشتاء والعكس في فصل الصيف، إلا أن هذا التأثير لا يكون واضحاً للتيارات البحرية التي تكون موجودة إلى الجنوب من خط الاستواء، فإلى الجنوب من هذا الخط تقريباً 15 درجة يتحرك تيار استوائي كبير من الشرق إلى الغرب.
وعندما يضرب هذا التيار بالساحل الشرقي لأفريقيا عند رأس دلجادو، حيث ينقسم إلى قسمين الأول يتجه نحو الشمال، أمَّا الثاني فيتجه نحو الجنوب، ويستمر هذا القسم الأخير في حركته ليصل إلى رأس الرجاء الصالح، وهنا يلتقي بتيار بنجويلا وهذا التيار هو الذي يعرف باسم تيار موزمبيق الحار، حيث أن درجة حرارة مياهه تتراوح خلال فصل الصيف في شهريناير ما بين 30 درجة مئوية عند نهايته الجنوبية و38 درجة مئوية عند بدايته الشمالية.
أمَّا خلال فصل الشتاء في شهر يوليو فتتراوح درجة حرارة مياه هذا التيار في نفس المكانين ما بين 17 درجة مئوية و26 درجة مئوية، وبالمقارنة لهذا التيار بتيار بنجويلا المقابل له الموجود على الساحل الغربي نرى أن درجة حرارة مياه التيار الأول تزيد في المتوسط تقريباً 6 درجات مئوية عن درجة حرارة مياه التيار الثاني، كما نلاحظ بأن جزءاً من تيار موزمبيق ينحرف في شمال جزيرة مدغشقر حتى يمر بالسواحل الشرقية لهذه الجزيرة، ممَّا يعمل أيضاً على تدفئتها وعلى زيادة بخار الماء الذي يعلق بهوائها.
أمَّا الجزء الذي يتجه إلى الشمال من التيار الاستوائي الضخم فيصل في جولته إلى خط الاستواء ثم يتباين اتجاهه بعد ذلك في القسم الذي يقع إلى الشمال من هذا الخط، على حسب نظام الرياح الموسمية، ففي فصل الصيف تعمل الرياح الموسمية الجنوبية الغربية التي تذهب باتجاه آسيا على دفع مياه هذا التيار أمامها باتجاه الشمال إلى البحر العربي ومن ثم يمر التيار أمام سواحل إيران الجنوبية وسواحل الهند وبورما وغرب الملايو في حركة تكون في اتجاهها متفقة مع حركة عقارب الساعة.
كما تبلغ سرعة التيار الذي يوجد أمام سواحل الصومال شمال خط الاستواء أكثر من 6 كيلو مترات خلال الساعة وتكون درجة حرارة المياه في هذه المنطقة مرتفعة، حتى أنها تصل عند السطح إلى تقريباً 28 درجة مئوية أو أكثر، ومن الممكن أن ترتفع إلى 29 درجة مئوية في شهري إبريل ومايو، ولكن يوجد ملاحظة مهمة يجب علينا ألا نهملها عندما نتكلم عن أثر هذا التيار البحري على مناخ الساحل الشرقي لأفريقية والساحل الجنوبي لشبه الجزيرة العربية، وهذه الملاحظة هي بأن درجة حرارة المياه التي توجد أمام هذه السواحل تكون في العادة أقل من درجة حرارة المياه التي توجد داخل المحيط بعيدًا عن الشاطئ طول العام.
ويزداد الفرق بشكل خاص في شهري مايو وإبريل، حيث تكون المياه الساحلية أبرد بثلاث درجات مئوية تقريباً من مياه الداخل، ويرجع ذلك إلى أن المياه السطحية للتيار تنحرف بعيداً عن الساحل خاصة عند اشتداد الرياح الموسمية الجنوبية الغربية، فيُسبب هذا في حدوث حركة انبثاق تسبب إلى رفع المياه السفلية إلى فوق في الأجزاء الملاصقة للساحل، وتكون هذه الظاهرة واضحة بشكل خاص أمام الساحل الإفريقي مباشرة حوالي خط عرض 10 درجات عند حدوث الرياح الموسمية الجنوبية الغربية، وكما أن برودة المياه الموجودة على الساحل في هذا الشكل تعتبر من العوامل التي تعمل على جفاف كل من جنوب شرق شبه الجزيرة العربية، الإقليم الصومالي.
أمَّا خلال فصل الشتاء فإن نظام التيارات البحرية ينثلب في شمال خط الاستواء، ويبدأ هذا الانقلاب في شهر نوفمبر عندما يبدأ حدوث الرياح الموسمية الشتوية من جهة آسيا، حيث تسبب هذه الرياح في تحرك المياه على طول الساحل الجنوبي لآسيا في اتجاه معاكس لاتجاه حركة عقرب الساعة، وتستمر هذه المياه في حركتها مع ساحل القرن الإفريقي حتى تصل إلى خط الاستواء ويكون اتجاه حركة تيار الماء أمام هذا الساحل من الشمال الشرقي، ودرجة حرارة مياهه تكون أقل من درجة حرارة مياه الأجزاء الداخلية من المحيط تقريباً درجة ونصف درجة مئوية، وسبب البرودة النسبية هذه يعود إلى عاملين هما البرودة خلال فصل الشتاء، بالإضافة إلى أن المياه تتحرك باتجاه خط الاستواء، أي نحو مناطق تكون الحرارة فيها أشد من المناطق التي تأتي منها.
ويستمر نظام التيارات حتى شهر فبراير، وبالرغم من أن الرياح الموسمية الجنوبية الغربية لم تبدأ في هبوبها بعد، فإن دورة التيارات البحرية تبدأ في الانعكاس خلال هذا الشهر لتأخذ اتجاهاً يكون متفقاً مع اتجاه حركة عقارب الساعة، حيث تكون هذه التيارات بطيئة في أول الأمر، ولكن سرعتها تزداد عندما تبدأ حدوث الرياح الموسمية الجنوبية الغربية.
أمَّا تأثير البحر الأحمر على مناخ السواحل الشرقية لأفريقيا يكون محدود جداً؛ وذلك نتيجة لصُغر مساحته مع ملاحظة أن هذا الأثر يكون وضوحه أقل خلال فصل الصيف منه في فصل الشتاء؛ وهذا لأن البحر الأحمر يعتبر من البحار الدافئة طول العام، ولهذا فإن تأثيره اللطيف على درجة حرارة السواحل المطلة عليه يكون جداً محدود، فإن درجة حرارة سطح الماء تتراوح في القسم الشمالي من هذا البحر ما بين 22 درجة مئوية في شهر يناير و27 درجة مئوية في شهر يوليو، أمَّا في القسم الجنوبي منه فإن درجة حرارة المياه السطحية تكون ما بين 28 درجة مئوية في شهر يناير و32 درجة مئوية في شهر يوليو، ولكن بالرغم من الارتفاع الشديد لدرجة حرارة مياه هذا البحر خلال فصل الصيف فإنها تكون أقل من درجة حرارة السواحل المجاورة.

المصدر: يحيى الحكمي/الجغرافيا الطبيعية/2012.علاء المختار/أساسيات الجغرافيا الطبيعية/2011.علي احمد غانم/الجغرافيا المناخية/2003.محمد صبرى محسوب/مبادئ الجغرافيا المناخية والحيوية/2007.


شارك المقالة: