ما هي العوامل المناخية التي تؤثر في حياة النباتات؟
إن المياه والحرارة والضوء من أهم عناصر المناخ التي تؤثر بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في حياة النباتات، فإن أهمية المياه وضرورة وجودها لقيام أي نوع من أنواع الحياة فوق سطح الأرض معروفة وشيء أساسي، والمصدر الأساسي للمياه العذبة هو الأمطار وغيرها من مظاهر الهطول، وكلما توافرت هذه المياه في مكان من الأماكن، كان هذا أدعى إلى ظهور حياة نباتية غنية.
وللدلالة على ذلك يكفي أن نقارن بين خريطتين للعالم الأولى توضح توزيع المعدلات السنوية للمطر، والثانية توضح توزيع الحياة النباتية الطبيعية، حيث نرى بشكل واضح أن الأقاليم ذات الأمطار الغزيرة هي في الغالب الأقاليم نفسها التي تتميز بحياة نباتية غنية، كما هو الحال في مناطق الغابات الاستوائية والغابات النفضية، أمَّا الأقاليم التي لا تكون أمطارها كافية لنمو الغابات فإن نباتاتها الطبيعية تكون عادة مكونة من حشائش تختلف في كثافتها وارتفاعها على حسب كمية الأمطار.
وتظهر الصحاري بطبيعة الحال في الأقاليم التي لا تكفي أمطارها لنمو الغابات أو الحشائش، ومن الحقائق المعروفة أن الحياة النباتية والحيوانية بما في ذلك الإنسان لا يمكنها بأي حال من الأحوال أن تستفيد بكل ما يسقط من الأمطار فوق سطح الارض؛ لأن نسبة كبيرة من الأمطار تضيع بوسائل مختلفة كأن تنصرف عن طريق الأنهار والمجاري المائية إلى البحار والمحيطات، أو تتسرب في شقوق القشرة الأرضية وتصل إلى أعماق بعيدة يصعب الوصول إليها.
وهذه المياه المتسربة في شقوق القشرة الأرضية ينتهي معظمها إلى البحار والمحيطات أيضاً، وتضيع كذلك نسبة عظيمة جداً من مياه الأمطار عن طريق التبخر عند انحدارها فوق سطح الأرض أو عند تجمعها في الحفر والمنخفضات والبحيرات والأنهار، أو بالتبخر من سطح التربة التي تتسرب فيها، ويعتبر النتح من النباتات كذلك من أهم الوسائل التي تضيع بواسطتها مقادير كبيرة جداً من المياه.
ومن الواضح أن القيمة الفعلية للأمطار تتوقف بصفة عامة على مقدار ما يضيع من هذه الأمطار، وهذه الحقيقة مهمة جداً بالنسبة للتقدم العمراني، ففي بعض الأقاليم قد تكون كمية المطر التي تسقط في فصل معين أو طول السنة كافية لقيام حياة عمرانية وزراعية مناسبة، بينما لا تكفي نفس الكمية في أقاليم أخرى لقيام أي نوع ذو قيمة من أنواع الحياة.
ويعتبر النتح والتبخر في الواقع أخطر الوسائل التي تضيع بها مياه الأمطار، ويرجع ذلك إلى عظم الكميات التي تضيع بواسطتهما من جهة، واستحالة الاستفادة بهذه الكميات بأي صورة من الصور إلا إذا تكثفت من جديد من جهة أخرى، أمَّا المياه التي تنحدر في مجاري الأنهار أو تتسرب في باطن الأرض فمن الممكن التحكم فيها واستغلال معظمها لأغراض الري والشرب وغيرها، وإن كان ذلك يتطلب في كثير من الأحيان مجهودات شاقة وتكاليف باهظة.
ولهذا فإن دراسة التبخر والنتح تعتبر متممة لدراسة الأمطار، بمعنى أن كمية الأمطار التي تسقط في منطقة من المناطق لا تكفي وحدها لتحديد الأثر الواقعي لهذه الكمية بالنسبة لحياة النبات والإنسان والحيوان، أو بالنسبة لجريان المياه وتصريف الأنهار، لأن هذا الأثر يتوقف من ناحية أخرى على مقدار ما يعود من الأمطار إلى الجو بواسطة التبخر والنتح.
إلا أن قياس أو تقدير المياه التي تضيع بالتبخر والنتح معاً وهو ما سميناه بالتبخر الكلي، لا زال في حد ذاته من أعقد المشاكل التي ليست لها في الوقت الحاضر أسس ثابتة واضحة، ولهذا فإن كثيراً من الباحثين في علوم المناخ والنبات والهيدرولوجيا حاولوا أن يقدروا القيمة الفعلية للأمطار بطرق رياضية معينة، ولما كانت درجة الحرارة هي العنصر الرئيسي الذي يتخذ في الوقت الحاضر أساساً لتقدير التبخر الكلي رأى كثيراً من الباحثين أنها يمكن أن تتخذ كذلك أساساً لتقدير القيمة الفعلية للأمطار ومن الواضح أن هذه القيمة تتناسب تناسباً عكسياً مع درجة الحرارة؛ وذلك لأنه كلما ارتفعت درجة الحرارة زادت كمية المياه المفقودة.
ومن هنا تظهر لنا أهمية معرفة نظام سقوط الأمطار وتوزيعها على أشهر وفصول السنة، فقد يحدث مثلا أن تتساوى كمية المطر السنوية في منطقتين ولكنها تسقط في أحداهما أثناء الفصل الحار، بينما تسقط في الأخرى أثناء الفصل البارد، ولذلك فإن تأثيرها لا يكون واحدا في المنطقتين.
فإذا فرضنا اشتداد البرودة أثناء الفصل البارد لا يترتب عليه وقف نمو النباتات، فإن القيمة الفعلية للأمطار تكون في الفصل البارد أعلى منها بكثير في الفصل الحار، ومعنى ذلك أن مجرد معرفة كمية الأمطار التي تسقط في منطقة من المناطق لا تفيدنا كثيراً إلا إذا عرفنا توزيع هذه الكمية على شهور السنة وإلى أي حد تتفق مع أشهر الحرارة أو البرودة ومبلغ ارتفاع درجة الحرارة أو انخفاضها في أشهر سقوطها.