ما هي جغرافية الرحلات؟
عُرف عن العرب حبهم للترحال، حيث اشتهروا برحلتي الشتاء والصيف التي تم ذكرها في القرآن الكريم، وشجعهم على القيام بالرحلات عدد من العوامل، حيث أنهم اهتموا بمعرفة ووصف البلاد التي دخلت بعد فتحها تحت سيطرتهم، تلك البلاد التي امتدت من الهند وحدود الصين شرقاً إلى أسبانيا وجبال البرانس غرباً، ومن القوقاز وآسيا الصغرى شمالاً إلى السودان ومجاهل أفريقيا جنوباً.
أصبحت تلك المساحة الكبيرة عالماً واحداً مشتركاً في الدين والثقافة، وكانت الحاجة ملحة إلى معرفة الطرق الكبرى التي تصل إلى الأقاليم المختلفة لسهولة إدارة تلك المناطق، إلى جانب ذلك فإن الحاجة الدينية التي تتمثل في فريضة الحج التي كان المسلمون يتجشمون كل مشقة بنفس راضية في سبيل أدائها، ألزمت المسلمين معرفة الطرق والبلاد التي يمرون بها.
وكان بعض الرحالة يرحلون من أجل الاستطلاع أو الذهاب إلى الأماكن التي تم ذكرها في القرآن الكريم، ومثالاً على ذلك رحلة سلمان الترجمان بأمر الخليفة الواثق (227هـ-481م) من أجل البحث عن سد الصين الكبير، الذي يقال: أن الإسكندر الأكبر قام ببنائه بين العالم القديم وديار يأجوج ومأجوج.
ومن أهم الرحالة المسلمين ابن حوقل الذي طاف بالعالم الإسلامي ثلاثين عام وألف كتاب المسالك والممالك، وذلك في القرن الرابع الهجري، المقدسي الذي ألف كتاب أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، الإدريسي أبو عبد الله محمد الذي ألف كتاب نزهة المشتاق في اختراق الآفاق في القرن الحادي عشر الميلادي، أبو حسن محمد بن أحمد بن جبير، ويعتبر ابن جبير من أهم الشخصيات الجغرافية في القرن السادس الهجري.
وممَّا لا جدال فيه أن أبا عبد الله محمد الطنجي الذي اشتعر باسم ابن بطوطة هو أمير الرحالة المسلمين بلا منافس، وقد قضى تقريباً 30 عاماً في أسفار، وقد كتب محمد بن جزي أخبار رحلات ابن بطوطة تحت اسم تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار وقد مات ابن بطوطة سنة 1369 في مدينة فاس بالمغرب.
كما قطع ابن بطوطة في رحلاته ما لا يقل عن خمسة وسبعين ألف ميل أي (120 ألف كم)، وكان ابن بطوطة قد بدأ ترحاله بخروجه في يوم الخميس الثاني من شهر رجب عام 725 هجرية لحج بيت الله الحرام وزيارة قبر الرسول عليه الصلاة والسلام، ولم يكن يدور بفكر صاحبنا أنه لن يعود إلى وطنه إلا بعد مضي أكثر من ربع قرن.
وتعتبر جغرافية الرحلات عند العرب نوعاً من الجغرافيا الوصفية التي تناولت الطرق والمسالك إلى الأقطار التي قاموا بزيارتها، وعرف العرب بالحديث عن عادات الأمم والشعوب وطباعها، وكانت أحاديثهم تعتمد على المشاهدة بالعين والسمع بالأذن، وقد خلطت ببعض الأساطير والخرافات، ولذلك فإن فيها طابع قصصي، ويطلق البعض على التقارير الجغرافية التي كان الولاة يرسلونها منذ أيام عمر بن الخطاب اسم (مرحلة الفضائل والمثالب) ذلك أن هذه التقارير كانت تتناول مزايا الأقاليم ومنتجاتها وكل ما يتعلق بكل إقليم منها.